تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

حرق المصحف.. ونظرية المؤامرة

أظهرت جريمة حرق المصحف الشريف فى السويد، شوفينية الغرب وتمركزه حول ذاته، يقف فى طرف وبقية العالم فى طرف آخر، يفرض حجرا فكريا على هذا العالم، يشتهى الغرب ثروات الشرق ويكره شعوبه، يتحرش به، يغذى طوفان العنف الدينى، يطلق وكلاءه على الجسد العربى، يصبح بعضهم مضروبا أو محاصرا، أو معرضا للابتزاز.

برغم ذلك فإنه من الإنصاف الاعتراف بأن مسئولية العرب والمسلمين، عن جرائم الكراهية والاعتداءات ضدهم، تقع على كاهلهم بالدرجة الأولى، لابد أن نصارح أنفسنا بالحقيقة، إن معظم الدول العربية والإسلامية تعانى ظواهر مأساوية، تخلفا وديكتاتورية وهشاشة سياسية وتدهورا اقتصاديا وتطرفا وعنفا، المشكلات التى كنا نختلف بشأنها أواخر القرن التاسع عشر، هى التى تشغلنا مطلع القرن الحادى والعشرين، لدرجة أن المفكر الأمريكى بول كينيدى ذهب، فى كتابه (الاستعداد للقرن الحادى والعشرين)، إلى أن معظم الدول العربية والإسلامية لم تستعـد بعد للقرن الحالى، لأنها لم تصل بعد إلا إلى القرن التاسع عشر.. وهى دول متخلفـة عن الركب الحضارى.. مملوءة بالعداوات والتنافس، وتضع الجماعات الإرهابية علامات استفهام حول مستقبل كثير منها.

كما كشف المفكر الدكتور محمد السيد سعيد وجها آخر للمعضلة: ذلك أن «أهم ملامح المشكلة ليس فساد السياسات والدول العربية، بل فساد المجتمعات. والواقع أن الاستثناء العربى هنا لا يكمن فى أن العرب لم يدخلوا مرحلة بناء الدولة القومية الحقة، ولا أنهم فشلوا فى بناء الأمة، أو أنهم لم يشيدوا دولة المؤسسات، ولا أنهم نسوا هدف الاعتماد على الذات. أهم هذه الملامح هو أن المجتمعات العربية ذاتها فاسدة، ولم تنتج حركة حقيقية لمناهضة الفساد، ومن ثمّ حركة حقيقية لإنتاج العاقل والمعقول، ومن ثمّ وضع بداية الانتصار على إسرائيل والاستعمار».

قد يقول قائل: هل تبرئ الغرب من التآمر الدائم على بلاد العرب والمسلمين؟!.. أجيبه: بالقطع لا، لكن ينبغى أن ندرك أن المؤامرة ليست كما نفهمها، إنها طابع التاريخ، والاقتناع بفكرة المؤامرة الغربية، ربما يكون أخطر من وجود المؤامرة نفسها، لأنه يعفينا من مواجهة عيوبنا وإصلاحها، ما دمنا على الدوام ضحايا مؤامرة الغرب المتنمر...

إن أحدا لا يود أن يبرئ الغرب من محاولات السيطرة على العالم، فهى محاولات دائمة، لكنها لا تنجح إلا مع الضعفاء، ما يستلزم امتلاك أسباب القوة والمنعة فى أى منازلة حضارية، بصرف النظر عن هوية الطرف الآخر فيها، غربيا أو شرقيا.

كشفت جريمة حرق القرآن (المتكررة) مدى الوهن الذى بلغته المجتمعات العربية والإسلامية، من ثمّ ينبغى أن نوقف محركات التدهور المتمثلة فى: انتشار الفقر بمختلف مظاهره، والجهل والاستبداد والتهميش السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وأن نكافح ثرثرات الحلال والحرام، والتطرف والعنف والإرهاب التى ينشرها بعضنا، بزعم الدفاع عن الإسلام وهو منها براء.

إن أعظم قيمة فى الإسلام أنه دين (العدل)، ومن قبله الرحمة والتسامح والتعايش، لا القتل وسفك الدماء وترويع الآمنين... وتلك خطوة على طريق طويل، بدلا من الركض خلف الأوهام، والاكتفاء بالاستغاثة من «الذئب» الذى لن يستطيع نهشنا، لو أننا رفعنا منسوب أسوارنا يوما بعد يوم.

ليس من الصحى أو المفيد الاستنامة لنظرية المؤامرة، بل السعى لإصلاح أحوالنا حتى لا نكون هدفا أو صيدا سهلا لكل عابر سبيل، أولى خطوات الإصلاح هى الاعتراف بأخطائنا وتقديم علاج علمى لها، منذ قرنين تقريبا تأوّه أحد سلاطين المغرب، قائلا: «داء العطب قديم»، لما أدرك أنه يهوى تجاه أزمات بلا حصر. اليوم تدل الحوادث المروعة، فى بلاد العرب، وعلى وقع الخصام بين المسلمين وبقية شعوب الأرض تقريبا، على أن المسلم بات معادلا موضوعيا للإرهابى.

أزمة خطيرة تتجلى فى صور متعددة، ولأسباب متباينة، مثلما حدث فى قضية «الرسوم المسيئة» للرسول (صلى الله عليه وسلم)، فى فرنسا، وما تبعها من ارتدادات مؤسفة. ما خفى أخطر: إن هذا العطب يتعمق، بما يجعل مصير الشعوب العربية معلقا بخيوط عنكبوت، تتأرجح هنا وهناك.. والمحصلة سقوط حضارى وتغول الأعداء، يموت من يموت ويسقط من يسقط، فى السودان أو سوريا، أو العراق، ليبيا، اليمن، الصومال... ولا أحد يبالى.

على العرب والمسلمين أن يقدموا صورة تليق بعظمة وقيم الإسلام الحنيف السامية، أن يطاردوا السفاحين الذين يتمسحون بالإسلام زورا وبهتانا، حتى تستريح الشعوب من شرورهم وتتفرغ لعمارة الأرض، فى عالم مؤلم ومتربص بطبيعته، لا بالمؤامرة. هذا الذى يحمل سكينا ويصرخ مكبرا وهو ينحر ضحيته، أو يلف حول وسطه حزاما ناسفا ويصرخ مكبرا، وهو يكبس زره ليتحول مع ضحاياه إلى أشلاء... إلخ، هل هو بشر مثلنا؟ هل يعتنق دينا مثل الذى نعتنق؟ ثم ماذا عن الذين يساندون أولئك الغاضبين، من الأنظمة والجماعات، ويبررون أفعالهم أو ينتحلون لهم الأعذار؟!.

إن الأنظمة الفاسدة المستبدة والجماعات المتطرفة هم من يعطون المبررات والذرائع لليمين المتطرف فى الغرب، كى يتنمر على العرب والمسلمين بصور شتى منها جرائم الكراهية، فى نوع من التحالف بين معسكر المتطرفين والفاسدين من الجانبين، فأوقعوا ظلما فادحا بمليارى مسلم، وبالإسلام الذى جعل قتل «نفس واحدة» يضارع «قتل الناس جميعا»، وإحياء «نفس واحدة» يعادل «إحياء الناس جميعا»!.

M_ha7@hotmail.com

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية