تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أوكرانيا فى المزاد!
دقّ بيتر هيجسيث وزير الدفاع الأمريكى «إسفينا» بين بلاده وأوروبا، خلال اجتماع لحلف «الناتو»؛ بقوله إن عضوية الحلف لم تعد مطروحة لأوكرانيا،وعليها أن تنسى استعادة الأراضى التى استولت عليها روسيا بالقوة، وطالب الدول الأوروبية برفع مساهماتها فى الحلف إلى 5% من ناتجها المحلى الإجمالى.
بعد ذلك أثار دى فانس نائب الرئيس الأمريكى هلع الأوروبيين إلى درجة بكاء بعض المسئولين، بانتقاداته الديمقراطية الأوروبية حول دعم أوكرانيا، خلال مؤتمر ميونيخ. وكالعادة لم يتأخر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن إضافة لمسته، اتهم أوكرانيا ببدء الحرب مع روسيا ووصف رئيسها زيلينسكى بالفاشل والديكتاتور، وطالبه بتزويد واشنطن بما قيمته 500 مليار من المعادن النادرة التى تملكها كييف، بينما أجرى ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكى ونظيره الروسى سيرجى لافروف مباحثات فى الرياض؛ لوقف الحرب بأوكرانيا، مع استبعاد الأوروبيين؛ ما شكل صدمة أوروبية شديدة، فى ظل شعور بأن واشنطن لم تعد حليفا يمكن الاعتماد عليه.
المفارقة أن الولايات المتحدة هى التى دفعت أوروبا لخوض المواجهة مع روسيا حول أوكرانيا، وفرضت عقوبات كبدت الاتحاد الأوروبى خسائر بمئات مليارات الدولارات، واليوم تمضى أمريكا فى التفاوض مع روسيا تاركة أوروبا، أمام خيارين أحلاهما مر، أن تواصل المواجهة مع موسكو وحيدة مع مزيد من الخسائر الفادحة، أو تستسلم لمخرجات المسار التفاوضى الأمريكى - الروسى الذى يعنى هزيمتها وتهميشها.
ترى صحيفة «ديلى ميل» أن التقارب بين ترامب وبوتين يدق ناقوس الخطر ليس لأوكرانيا فحسب، بل لأوروبا؛ لأن السماح بانتصار بوتين فى أوكرانيا، سيدفعه لمواصلة الزحف فى ربوع أوروبا. أحدث موقف ترامب من كييف «صدعا كبيرا» فى صفوف الناتو، اعتبر سياسيون أوروبيون أنّ الولايات المتحدة تستثمر الأزمة لإنهاك روسيا وإضعاف أوروبا؛ من أجل الحفاظ على هيمنتها على القارة، والتضحية بمصالح الحلفاء؛ وطرحوا أسئلة مرعبة حول كيفية حماية «الأمن الأوروبي» خاصة أوروبا الشرقية.
قبل سنوات أوضح يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الأسبق أن جوهر الأزمة يكمن فى أن روسيا، فى عهد بوتين، أصبحت «قوة تعديلية»، مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لتغيير الأوضاع لصالحها، وإذا خضعت أوروبا لهذه الدوافع، فإنها تخون قيمها الأساسية، وتتخلى عن أسلوب الحياة الأوروبى المتقدم؛ وعواقب ذلك لا يمكن تصورها. يريد بوتين أن يتخلى الناتو عن سياسة الباب المفتوح، أمام دول أوروبا الشرقية والإسكندنافية؛ لمنع تطويق روسيا من قبل الناتو؛ ولعل الدافع وراء هذا هو رغبة بوتين فى محو الإذلال الناجم عن زوال الاتحاد السوفيتى، وخسارة روسيا التاريخية للقوة العالمية، من خلال استعادة الامبراطورية الروسية، هذا الطموح يمس أوروبا بالدرجة الأولى؛ لأن روسيا لا يمكن أن تعود قوة عالمية إلا إذا أصبحت قوة مهيمنة فى أوروبا.
اليوم أوكرانيا فى المزاد، واستقلالها على المحك؛ وقد يأتى الدور غدا على آخرين؛ بل من الوارد تقسيم أوروبا إلى مجالين: أوروبا الروسية فى الشرق، وأوروبا فى الاتحاد الأوروبى وحلف الأطلسى فى الأجزاء الغربية والوسطى من القارة؛ هذا معناه أن أوروبا فى ورطة تتجاوز أثقال التاريخ على القارة العجوز؛ نتيجة الركون إلى «الاسترخاء الإستراتيجي» تحت المظلة الأمريكية، والمتغيرات الهائلة بعد نهاية الحرب الباردة، وصعود الصين وروسيا بجوار الولايات المتحدة، من دون أن يأخذ الاتحاد الأوروبى المكانة اللائقة بين القوى الدولية؛ لذلك يواجه الأوروبيون أكواما من الضغوط المتزايدة؛ إذ ليس بمقدورهم تحمل عبء مواصلة تقديم المساعدات لأوكرانيا، لاسيما أن دول الرفاه الأوروبية ماطلت طويلا، حينما طالبها ترامب ـ فى أثناء ولايته الأولى ـ بزيادة إنفاقها الدفاعى إلى 2% من ناتجها الإجمالى، ثم انزعجت كثيرا حينما طالبها مؤخرا بزيادة هذا الإنفاق إلى5%؛ لأنه سيكون على حساب الخدمات والرفاهية الاجتماعية أو عبر زيادة الضرائب، ما يهدد الاستقرار السياسى والاجتماعى، ويهيئ الظروف لصعود الأحزاب اليمينية والفاشية.
كان الصراع بين روسيا والغرب محكوما بوحدة الموقف الجيوسياسى ضد موسكو، حتى فى ذروة الحرب الباردة، حيث لم تكن قيادة المواجهة فى الغرب على هذا القدر من التصدع الحالي؛ تشعر الدول الأوروبية بخيبة أمل من تناقض مواقف الولايات المتحدة؛ وأنه حان الوقت لتنحية النزاعات الصغيرة ليصبح الأوروبيون قوة بأنفسهم، فى عالم تتجدد فيه سياسات القوى العظمى والتنافس الجيوسياسى.
من المؤكد أن الضمان الأمنى الأمريكى أساسى لأوروبا، لكن إذا أريد للشراكة الأطلسية أن تستمر، يجب أن تصبح أوروبا أقوى، يتطلب ذلك من ألمانيا وفرنسا إعادة التفكير فى أدوارهما وإمكان إقامة درع حماية أوروبية، مع الحفاظ على الناتو فى الوقت نفسه، بأمل أن يظل صوت الاتحاد الأوروبى مسموعا، على موائد المفاوضات أو فى ساحات المعارك، دفاعا عن مصالح شعوبه، ذات يوم أشار جوزيب بوريل الممثل الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية فى الاتحاد الأوروبى سابقا إلى أن الاتحاد لا يمكن أن يكون متفرجا محايدا فى المحادثات المتعلقة بالقضايا التى تؤثر بصورة مباشرة فى الأمن الأوروبى، التزاما بمبدأ «لا يجرى شىء يخصك، بدونك»!.
نقطة أخرى لا يمكن تجاهلها، حذرت منها صحيفة «وول ستريت جورنال» أن «التخلى الأمريكى عن أوكرانيا» يمثل ضربة لنفوذ واشنطن سيتردّد صداها فى المحيط الهادئ والشرق الأوسط، سيفيق حلفاء أمريكا بتلك المناطق على حقيقة أنه «ما حك ظهرك مثل ظفرك»، وأن «المتغطى بالأمريكان عريان»!.
M_ha7@hotmail.com
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية