تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الصين.. و«الأخطار الخفية»
كما هو متوقع، أقر الحزب الشيوعى فى ختام مؤتمره العشرين الإبقاء على الرئيس الصينى شى جين بينج فى موقعه رئيسا للبلاد والحزب والقوات المسلحة، لينال ولاية ثالثة مدتها خمس سنوات، فى إلغاء عملى لمبدأ التناوب على السلطة، والمحددة بولايتين، ليصبح أقوى زعيم صاحب (دور محورى) فى بلاد التنين أو المملكة الوسطى، منذ رحيل ماوتسى تونج، ثم دينج شياو بنج، فاتحا المجال لبقائه فى السلطة مدى الحياة، ولو نظريا.
يحكم شى جين بينج قبضته على السلطة؛ قاد حملة واسعة ضد منافسيه والمعارضة والفساد، حذر مؤخرا مما سماه (مخاطر خفية فى الحزب والبلد والجيش)، داعيا إلى التحلى بجرأة النضال من أجل النصر. بدا ذلك فى جلسات مؤتمر الحزب الشيوعى الأخير وتوصياته، لكن مشهد إخراج الرئيس الصينى السابق هو جينتاو من المؤتمر بطريقة غير متوقعة، أشارت إلى أن لكل قاعدة استثناءات قد تكون كبيرة ومفاجئة. استفاد شى من الظروف الداخلية والخارجية المعقدة فى الوصول إلى مبتغاه، لكن المستقبل يفور بالاحتمالات فى ظل الصراع الأمريكى - الصينى على زعامة القرن الحادى والعشرين.
لم يعد واضحا هل يريد الغرب إجبار الصين على أن تُصبح غربية وديمقراطية؟ أم احتواءها وعزلها تكنولوجيا؟ لا ينظر الغرب إلى بكين باعتبارها منافسا وخصما فقط، بل كبديل حضارى، خاصة أن الإمبراطورية الأمريكية تعانى بعض ملامح التدهور، بينما يتعاظم الثقل الاقتصادى والسياسى والعسكرى الصينى فى الجوار والعالم، يسلك الطرفان طريق تصادم مُتصاعد بين القيم والمطالب المُتنافسة على القوة والقيادة، ينغمسان فى حرب باردة قد تتطور إلى صدام عسكرى حول تايوان، أدرج الحزب الشيوعى مادة بالدستور تعارض أى محاولة لاستقلالها عن الصين.
الخطوط الأمامية للصراع الصينى - الأمريكى ترتسم بوضوح،تذهب أغلب الاطروحات فى الغرب إلى أن الصين لن تصبح أكثر ديمقراطية بفضل تنميتها الاقتصادية واندماجها فى حركة العولمة، ما يفتح الباب لمواجهات متعددة الميادين، تسير إدارة بايدن على نهج ترامب، تتبنى نهجا إقصائيا لعزل بلاد التنين ووقف صعودها، بمحاولة إخراجها من سلاسل الإنتاج وإجبار الشركات الكبرى على ترحيل مصانعها منها، يوصد الأمريكيون الأبواب، قائلين: العالم لنا. فكيف يتصرف الصينيون؟!.
هذا هوالخطر الأكبر بالنسبة إلى الرئيس شى، لا يرغب فى أن تكون سنوات ولايته فترة صدام ومشكلات، بل إنجازات وقفزة تكنولوجية، ولأن الداخل والخارج متصلان، يحاول شى تأمين جبهته فى بكين، ولو بالاستفراد بالسلطة، قبل مواجهة واشنطن وحلفائها، فعليا تخلى الحزب عن (شيوعيته) التى لم يتبق منها سوى (المطرقة والمنجل)، عقود من النمو الهائل والاندماج فى الاقتصاد العالمى هى ما يحدد البنية الطبقية للنظام الصينى، أيّ تغييرٍ فى المعادلة لن يؤثّر على المواجهة مع الغرب فقط، بل على أسس الشرعية فى الصين نفسها، يدرك شى جين بينج ذلك جيدا، يرى أن أكبر ترياق للأخطار المحدقة هو إنجاز التنمية القائمة على السيادة التكنولوجية لا التبعية، بخطة (صنع فى الصين 2025)،وإرساء تعليم متطور حاذق، بعد أن نجحت بلاده فى اجتثاث الفقر المدقع وإنقاذ 850 مليون صينى من براثنه فى 4 عقود فقط، وفقا لتقارير البنك الدولي.
تضم الصين 1.4 مليار شخص، يرون أن فرصتهم قد اقتربت، للاعتراف بزعامتهم عالميا، حجم السوق الصينية والاعتماد المتبادل مع بقية الاقتصاديات العالمية يجعل من عزل بكين دوليا فكرة سخيفة، فى الوقت نفسه تدرك القيادة الصينية أن لكل هدف أو إنجاز ثمنا، فإذا أردت أن تمسك بالذئب عليك أن تربط الحمل بالشجرة؛ تعكف الصين على تأسيس جبهة أممية، للإسهام فى تنمية الدول الأخرى، بمبادرة الحزام والطريق، إحياء لطريق الحرير القديم، الذى كان يربط بلدان الشرق وإفريقيا بأوروبا. أى شبكة العلاقات داخل الحضارة الإنسانية منذ آلاف السنين، عندما كان الشرق مركزا رئيسا للحضارة، قبل أن يتراجع دوره وينحدر مع موجات الاستعمار الأوروبي. إذن الحزام والطريق ليس بدعة، يجد جذوره فى حقائق قديمة، يهدف إلى ربط نصف سكان الأرض، ودمج خمس الناتج الوطنى الاجمالى العالمى، من خلال مد خطوط المواصلات وتأسيس شراكات تجارية واستثمارية تمتد إلى كل زوايا الكوكب.
فى المقابل، تعمل الولايات المتحدة، ما فى وسعها لإفشال المشروع، قبل أن يصبح حقيقة، نجاحها فى قطع شرايين الغاز الروسى عن أوروبا، وصنع هوة عميقة بين الروس والأوروبيين باستخدام «البيدق الأوكرانى»، يغرى بتكرار السيناريو مع الصين فى جنوب شرق آسيا والمحيطين الهندى والهادى، الحرب الباردة الأمريكية - الصينية بدأت حول تايوان، قد تنزلق إلى عاصفة نيران تحرق العالم، القدرة النووية لدى الجانبين تجعل أى حرب بينهما من أجل الهيمنة العالمية مستحيلة دون إبادة جماعية.لا تستطيع السياسات التقليدية للحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى السابق، حسم مسألة الجالس على القمة بين القوى العظمى، سياسات من شأنها أن تُعجل، لا أن تمنع، الدمار الشامل للبشرية جميعا. يسير شى جين بينج فى طريقه فوق صهوة التنين، مهما تكن الأخطار الخفية والظاهرة. وتبقى حقيقة بسيطة أنه ليس من مصلحة الإنسانية هزيمة الغرب بحضارته وعلومه ومنجزاته، مثلما ليس من مصلحتها هزيمة الشرق بقيمه وقدراته.الحل عالم متوازن متعدد الأقطاب.
M_ha7@hotmail.com
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية