تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الإقلاع الحضارى.. متى؟!
كانت نقطة البداية فى مشروع النهضة العربية هى الجمع بين الأصالة والمعاصرة، التراث والتجديد، ثقافة الأنا والآخر، منذ انطلاق المشروع على أيدى حسن العطار والطهطاوى الذى كتب «نهاية الإيجاز فى سيرة ساكن الحجاز»، عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم و«تخليص الإبريز فى تلخيص باريز»، تواصل ذاك النهج، فى عهود محمد على وإسماعيل، ومن ثورة 1919 إلى مكتسبات التجربة التنموية الناصرية، بحيث يمكن أن نستخلص خطا يحاول النهوض، من خلال تجديد الفكر الإسلامى مع النهضويين الأوائل، أو بمنحى ليبرالى قبل ثورة 1952، أو منحى قومى اشتراكى بعدها، دون الوصول إلى المبتغى؛
السؤال هنا: هل العقل العربى عصيٌ على الديمقراطية والتقدم، وما دور بنيته وموروثه التاريخى والدينى فى ذلك؟ وهل يكون الحل فى تفكيك بنية العقل العربى، لاسيما السياسى،لإعادة بنائه؟.
حاول العرب النهوض بطريقة الغرب، فولتير ومونتسكيو وروسو وكانط إلخ، بنى الغرب تقدمه على مقومات أساسية، أعطت المجتمعات الغربية دفعة هائلة لكى تنمو أسرع من باقى مناطق العالم طوال قرون، أشار إليها نيال فيرجسون فى كتابه «الحضارة: الغرب والآخرون»، وهي: المنافسة والعلم والملكية والطب والاستهلاك وأخلاقيات العمل وحرية المرأة والديمقراطية..
عندنا المشكلة عميقة، نصارع عشرة قرون من التراث القديم والتقليد من عصر الشروح والملخصات، ولما شبّت حركة التنوير مطلع القرن العشرين، بالغ بعض أقطابها فى عزل الثقافة الوطنية عن جذورها، لإلحاقها بالثقافات الغربية، ومن ثمّ سقطت الحداثة العربية ولاتزال بين انحيازين وتطرفين: الدينى والعلماني. بالطبع لا يمكن أيضا إنكار أثر الغرب فى تشجيع قيام جماعات الإسلام السياسى أو زرع إسرائيل وتدا فى قلب العالم العربى، لكن تآمر الخارج لا يمكن أن ينجح إلا إذا سمح له وهن الداخل بذلك، العيب فينا، فى النخب العربية على كل المستويات، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، لا تستطيع قوة مهما عظمت أن تتآمر عليك إن لم تكن أنت مستعدا لقبول التآمر ضد شعوبك.. لقد جربنا النهضة بطرق عدة، كلها لم تقد إلى الإنجاز المأمول الذى يضعنا فى مصاف الأمم المتقدمة بحق، جوهريا لا مظهريا.
فى كثير من الأحيان غاب الخيال السياسى على نحو فادح، صحيح أن دولا عربية أو إسلامية حققت إنجازا فى هذا المجال أو ذاك، لكن لو يممنا بصائرنا ليس إلى الغرب بل إلى دول آسيوية وإفريقية كانت مثل العرب تخضع للاستعمار والاستغلال الغربي- الهند وإندونيسيا وماليزيا ورواندا وموريشيوس- ثم كسرت دائرة التخلف ودخلت فضاء الحداثة والتقدم، بينما البلاد العربية، باستثناء قلة، تتراجع مكانتها على سلم التطور الحضاري.
توقف مفكرون عرب أمام هذه الإشكالية- تخلُّفنا وتقدُم غيرنا- وأرجعوا الأمر إلى بنية العقل العربى والاستبداد السياسى وغياب الديمقراطية والتبعية للغرب والموروث الثقافى، والانحراف فى فهم الإسلام وتفسيره.
وفى هذا الأخير، عانت الاجتهادات الفقهية التى تسعى التجاوب مع الواقع ارتباكا؛ تحاول تكييف تصورات هى نتاج فضاء معين، مع واقع مختلف كليًّا عن واقع إنتاج الفقه المتراكم عبر قرون طويلة، كما أنها لا تستطيع تجاوزه، ومن هنا تضطرب الاجتهادات أحيانا، فى علاقتها بالسلطة، أو تجاوبها مع مسائل الشأن العام، أو فى موقفها من القضايا الكبرى والعلاقات الدولية بالمقارنة مع تاريخ الفقه الإسلامى وتصوراته.
كما قاد الفهم الخاطئ أو الجزئى لمقاصد الشريعة إلى كوارث وفساد فى الأرض، اقترفت جماعات العنف والإرهاب آثاما، بزعم الحفاظ على الدين، حتى لو هلكت الأنفس والأموال والأوطان.
يؤكد الشيخ محمد الغزالى أن المسلمين بحاجة على الدوام إلى «نقد عليم برىء للطريقة التى سار بها العالم الإسلامى من قرون خلت فى المعترك العالمى، ومحاكمة لهذه الطريقة من الناحيتين العلمية والعملية دون تهيب للساسة أو للعوام، فإن الحق أكبر من هؤلاء وأولئك، ووجه الله أبقى على كل حال»، لذلك يلجأ الفقهاء (الإصلاحيون) حاليا إلى استثمار فكرة المقاصد والمصالح، لتأسيس وبناء مشروعية النهوض والتحديث، مع الانفتاح على الأفق الإنسانى دون تشاحن أو بغضاء.
ولأن استئناف مسيرة النهضة والتقدم والعدالة وتجديد الفكر ضرورة ملحة وليست خيارا أو ترفا، يعمل مفكرون وفقهاء على شق الطرق السالكة إلى الهدف، من بين هؤلاء العلامة الشيخ عبدالله بن بيه الذى أشرت إلى ملامح مشروعه التجديدى السامق فى مقالات سابقة، يوضح ابن بيه أن الجهاد الصحيح هو جهاد بناء الأوطان، والإحسان إلى الناس، داعيا جماعات العنف والإرهاب إلى أن يراجعوا أنفسهم وأن يتقوا الله، وأن يعمروا المساجد، ويعالجوا الناس فى المستشفيات ويسدوا الخير إلى الفقراء وتعزيز السلم فى المجتمعات لالتقاط الأنفاس والانطلاق إلى النهضة وعمارة الأرض فى كل مكان.
إن (الإقلاع الحضاري) مرهون بتغيير جذرى للظروف التى عرقلته، بالقطع لا نرغب فى جلْد الذات أو الترويج لليأس وقطع الأمل بإمكانية تغيير حال العرب إلى الأفضل؛ لابد للشعوب العربية أن تتغلب على مشكلاتها، وأن تأخذ بناصية الحضارة والديمقراطية يوما ما؛ فهى تحوز من أسباب القوة ورأس المال والعقول والسواعد ما يكفى لتنمية دولها، دون الاعتماد على الآخرين أو معوناتهم، وحماية نفسها من الانتكاس والارتكاس والتمزق!.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية