تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

إثيوبيا .. و"بروتوكول النقر"!

أعلنت إثيوبيا الانتهاء من بناء «السد الإثيوبى»؛ تمهيدا لافتتاحه هذا الأسبوع، باحتفال عالمي؛ رئيس الوزراء الإثيوبى قال إن السد ليس إلا بداية لسدود أخرى؛ بينما أكدت مصر والسودان أن السد مخالف للقانون الدولى ويترتب عليه آثار جسيمة.

 

ترفض إثيوبيا التوقيع على أى اتفاق ملزم؛ وتتخذ خطوات أحادية فى ملء وتشغيل السد، تخطط لفرض واقع استعمارى جديد، تجعل من السد محركا للخلافات وخلخلة التوازنات الجيوسياسية فى حوض النيل والقرن الإفريقي؛ وسط حسابات خطيرة؛ تهدد إثيوبيا كل جيرانها؛ تطمع فى أراضيهم وتقطع المياه عنهم عبر بناء سدود؛ لتصبح هى (بنك المياه)، بدعم قوى إقليمية ودولية تمول وتساند.

سلوك «متهور» تفسره نظرية «بروتوكول النقر» التى صاغها عالم الاجتماع ثورليف شيلدر؛ لوصف نظام الهيمنة فى مجتمع الدواجن؛ ينقر الدجاج الأكبر والأقوى الدجاج الأصغر، دون رد فعل، وهذا الأخير يقوم بتكرار «النقر» مع دجاج آخر أكثر ضعفا، وهكذا.

هذا السلوك (النقر) هو ما تتبعه إثيوبيا (من دول المنابع)- بما يتيحه لها موقعها (السبق باستغلال المياه)- تجاه دولتى المصب السودان ومصر، دون أن تخشى الضرر من رد الفعل.

لكن سلوك «النقر» إذا كان «آمنا» فى حظيرة الدواجن، فإنه «كارثى» فى علاقات الدول.

علينا ألا ننكر البراعة الإثيوبية فى ادعاء المظلومية، إلى درجة إعادة هندسة التاريخ اتساقا مع أغراضها؛ حوّل قادة أديس أبابا السد قضية شعبوية، وكأن القاهرة عدو أبدى أتت الفرصة لجعله يدفع الثمن فادحا، مرة وإلى الأبد؛ تدوس إثيوبيا القوانين الدولية للأنهار، بينما تمارس إحدى أكبر عمليات الخداع الاستراتيجى إزاء السودان، وكأن السد أنشيء على الحدود ليسقط ثماره على السودانيين؛ صحيح أن الأشقاء استفاقوا متأخرين، لكن «الوثيقة» المسربة حول اتفاق سوداني- إثيوبى تترك أسئلة كثيرة معلقة.

قضت مصر والسودان وإثيوبيا 14 عاما فى مفاوضات بلا طائل، لم تترجم بنود إعلان المبادئ عام 2015 إلى اتفاق ملزم؛ لذلك شدد الرئيس السيسى، خلال مؤتمر صحفى مع نظيره الأوغندى يورى موسيفينى، مؤخرا، على أن «مصر لن تغض الطرف عن حقوقها المائية؛ وهى ترفض الإجراءات الأحادية فى حوض النيل الشرقى».

لافتا إلى أن حصة مصر والسودان 85 مليار متر، تشكل 4% من إجمالى مياه حوض النيل البالغة 1600 مليار متر. وقال: «لو تخلينا عن جزء منها فهذا يعنى أننا نتخلى عن حياتنا».

تعتمد مصر على النيل لتلبية 98 بالمائة من احتياجاتها، وهى تقع تحت خط الفقر المائي؛ وبالتالى يهدد السد الإثيوبى مفاهيم الأمن القومى كافة.

السد رافعة لتحولات جيوسياسية تعيد توزيع النفوذ والأدوار، وتطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الاستقرار بحوض النيل.

وأمام الصلف الإثيوبى والرغبة فى الهيمنة على النهر؛ صرح وزيرا الخارجية والرى بأن مصر ستتخذ التدابير المكفولة بموجب القانون الدولى لحماية المقدرات الوجودية لشعبها؛ وأن الترويج لاكتمال السد دون التوصل لاتفاق ملزم انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي؛ فالبقاء ليس مسألة اختيار، إنما ضرورة تمليها الطبيعة.

القضية ليست توليد الكهرباء، تريد إثيوبيا الهيمنة على مياه النيل؛ لتصبح وسيلة ضغط على مصر والسودان؛ قال خبير المياه الإسرائيلى أولى لوبرانى، فى الثمانينيات: إن مياه النيل ستكون «لجام مصر»، لو تنصلت من اتفاقية «كامب ديفيد». المفاجأة أن دراسة أجراها أسفاو بينى مدير مركز كفاءة الطاقة بجامعة سان دييجو الأمريكية أكدت أن السد (فاشل) بتوليد الطاقة، قياسا إلى حجمه وتكلفته، يولد ألفى ميجاوات لا ستة آلاف، وطالبت بتصغير حجم السد، لأنه (سد سياسي) لا تنموى، للتخزين لا التوليد.

حتى اليوم لم تنفذ إثيوبيا دراسات أمان السد، وتشغله أحاديا، بينما تصعد مصر والسودان ضغوطهما السياسية، مع احتمال اللجوء إلى أدوات ردع غير مباشرة. التفت العالم أخيرا إلى أزمة السد؛ خاصة أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب كرر تصريحاته عن السد الذى «يعوق تدفق مياه نهر النيل» إلى مصر، وأنه لا حياة لمصر بدون مياه النهر، معربا عن رغبته فى «حل الأزمة سريعا»؛ توقيت ودلالات الطرح الأمريكى أثارت علامات استفهام؛ تدخلت واشنطن- فى ولاية ترامب الأولى- لحل الأزمة دون نجاح، كما أن العلاقات المصرية الأمريكية ليست فى أحسن حالاتها، إثر التباين فى الرؤى والمواقف فى عدة ملفات متفجرة، بخاصة الحرب فى غزة ومشروع «التهجير»، الذى طرحه ترامب وتتمسك به إسرائيل، وترفضه مصر؛ فهل يعد سد النهضة ورقة ضغط جديدة، اتساقا مع ما ذكره الرئيس السيسى بأن ملف المياه «جزء من حملة الضغوط على مصر لتحقيق أهداف أخرى»؟.

بات السد الإثيوبى مرآة لهندسة إقليمية واسعة، ومؤشرا للحكم على قدرة «القرن الإفريقى» على اجتراح توازن جديد، أو الانزلاق إلى صراعات مزمنة.

تضرب إثيوبيا عرض الحائط بالعلاقات الأزلية بين شعوب النيل، إنها «إسرائيل إفريقيا»؛ دولة وظيفية تعانى صراعات داخلية بين 83 قومية، قابلة للتمزق والتفكك... ولاشك فى أن أحدا من أبناء النيل لا يتمنى أن يرى صراعات، و«بروتوكول النقر» ليس حلا؛ فالحل بسيط: الحياة لمصر والسودان، والتنمية لإثيوبيا.

يقول المشير أبوغزالة: إن أفضل الحروب هى التى لا تندلع، والسلام هو ألذ الانتصارات.. لكن السلام يحتاج إلى قوة تحميه، تمنع اندلاع الحرب، وتجعل مجرد التفكير فى مواجهتك أو العدوان عليك.. انتحارا!.

M_ha7@hotmail.com

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية