تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
«تطور خطير» فى القرن الإفريقى!
الجمعة الماضى، اعترف بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى رسميا، بما يسمى جمهورية أرض الصومال (صومالى لاند) كدولة مستقلة، وقرر إقامة علاقات معها، «بروح اتفاقيات إبراهام»، على حد وصفه، لتصبح إسرائيل أول دولة تعترف بالإقليم الانفصالى، ما ينذر بتصعيد التوترات والحروب الأهلية فى القرن الإفريقى.
اعتراف نيتانياهو محكوم بأولويات استراتيجية، ترغب إسرائيل بإقامة قواعد استخباراتية ولوجستية، لتحويل أرض الصومال إلى «مركز إنذار مبكر» استخباراتى وعسكرى متقدم، لمراقبة ومواجهة تهديدات الحوثيين؛ ما يقلص زمن الاستجابة للهجمات القادمة من اليمن، ويعزز نفوذ تل أبيب حول باب المندب، أحد أهم ممرات التجارة العالمية، فى مواجهة قوى إقليمية ودولية تتنافس على النفوذ بالقرن الإفريقى.
فى الوقت نفسه يمنح الاعتراف الإسرائيلى سندا لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، مطلع 2024، والتى تسمح لأديس أبابا باستئجار 20 كيلومترا، حول ميناء بربرة لمدة 50 عاما؛ لأغراض تجارية وعسكرية مقابل الاعتراف بأرض الصومال.
وجود إثيوبيا فى مدخل البحر الأحمر يعنى وجود «قوة وكيلة» تلبى المصالح الإسرائيلية المتزايدة فى هذا الشريان الحيوى، وصولا إلى إيلات، أيضا تحويل حركة الملاحة من جيبوتى المجاورة إلى بربرة، بحماية إسرائيلية إثيوبية أمريكية، لاسيما مع تزايد القلق الأمريكى من تنامى نفوذ الصين، بعد أن حصلت على قاعدة عسكرية فى جيبوتى،
إذ تسعى الولايات المتحدة إلى وجود عسكرى فى بربرة، ويأمل مسئولو أرض الصومال أن يشجع الاعتراف الإسرائيلى أطرافا أخرى، أو حتى واشنطن على اتباع خطوة مماثلة، خاصة مع تلميحات سابقة للسيناتور تيد كروز والنائب سكوت بيرى.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية ربطت بين احتمال اعتراف أمريكى بإقليم أرض الصومال، وقبوله بـ»تهجير» الفلسطينيين إليه، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية، يبدو الاعتراف الأمريكى مستبعدا، لكن إن حدث قد يقود إلى اعترافات متسلسلة تغير وضع أرض الصومال عالميا.
فى المقابل، أثار الاعتراف الإسرائيلى ردود فعل سريعة وحادة، أدانت دولة الصومال الخطوة بشدة، بوصفها انتهاكا لسيادتها، ويقوّض الجهود الدولية لإعادة بناء الدولة، ويفتح الباب أمام صراعات قانونية وسياسية فى منطقة تعانى أصلا من هشاشة أمنية.. كما أصدرت مصر والصومال وتركيا وجيبوتى بيانا مشتركا وصف الاعتراف الإسرائيلى بأنه «تطور خطير» يهدد السلام الإقليمى، مؤكدين دعمهم الكامل لمؤسسات الدولة الصومالية، ورفض أى محاولات لفرض كيانات موازية من شأنها تقويض أسس الاستقرار بالصومال،
هذا التحالف يعكس مخاوف من إعادة هندسة الأوضاع بالقرن الإفريقى شديد الهشاشة والحساسية أمنيا واستراتيجيا، ومن زيادة نشاط جماعات مثل حركة الشباب أو الحوثيين؛ ردا على حضور إسرائيل الثقيل فى المنطقة، كما أنه يفتح الباب لتغيير الحدود الموروثة من حقبة الاستعمار فى دول إفريقية، بكل ما يحمله من أخطار متنوعة؛ لذلك رفض الاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة الاعتراف الإسرائيلى بأرض الصومال؛ باعتباره تهديدا للمصالح الجيوسياسية والتوازنات الإقليمية، يفضى لتكاثر النزعات الانفصالية فى القارة.
يرى مراقبون أن تلك التطورات تضع الدول التى تدعم وحدة الصومال فى موقف دفاعى، مثل مصر وتركيا والسعودية وإريتريا وجيبوتى والصين، خاصة لو نظرنا إلى الشاطئ المقابل، حيث تختمر محاولات انفصالية بجنوب اليمن، لذلك قد تجد هذه الدول نفسها أمام واقع شديد الخطورة فى مدخل خليج عدن، ومن المحتمل أن ارتدادات الاعتراف الإسرائيلى بأرض الصومال قد تدفع مصر وتركيا وربما السعودية إلى «تحالف ضرورة»؛ لدعم الحكومة الصومالية الفيدرالية بكل الوسائل، خاصة مع دعم أنقرة مقديشيو عسكريا، وسعى القاهرة لمنع تغييرات حدودية قد تلهم انفصاليين آخرين فى السودان، على أيدى ميليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتى، أو فى غيرها من دول المنطقة.
يقع إقليم «أرض الصومال» الانفصالى فى أقصى شمال غرب الصومال، تحدّه جيبوتى من الغرب، وإثيوبيا من الجنوب، وإقليم بونتلاند الصومالى من الشرق، ويمتد ساحله بطول 740 كم على خليج عدن؛ عند التقاء المحيط الهندى بالبحر الأحمر، استقل عن الاستعمار البريطانى، فى يونيو 1960 قبل أن يتوحد طوعا مع «الصومال الإيطالى» السابق؛ لتشكيل الجمهورية الصومالية. لكن هذه الوحدة انهارت مع اندلاع الحرب الأهلية، ثم أعلنت أرض الصومال استقلالها من جانب واحد فى 18 مايو عام 1991، عقب انهيار نظام سياد برى، واتخذت هرجيسا عاصمة لها، ودشنت مؤسسات دولة: مجلس للنواب وحكومة ودستور وانتخابات لتداول السلطة، وعملة وطنية وأجهزة أمنية (جيش وشرطة ومخابرات)، ويبلغ عدد سكانها نحو 5.5 مليون نسمة، وأبرز المدن بورعو وبورما وبربرة وعيرغابو ولاس عانود.
ظلت هرجيسا معزولة دبلوماسيا؛ لرفض الصومال أى انفصال، ودعم الاتحاد الإفريقى وحدة الأراضى الصومالية، لكنها سعت لكسر أطواق العزلة، فى الواقع هناك أكثر من 20 دولة تتعامل مع أرض الصومال كأمر واقع؛ ما وجدته دول إقليمية فرصة لتحقيق أجندتها، عبر اتفاقات للوصول إلى ميناء بربرة، الذى يدر 75% من ميزانية الإقليم السنوية، مقابل اعتراف ضمنى بانفصال أرض الصومال، مثل إسرائيل وإثيوبيا وغيرهما، بغض النظر عن تمزيق الوحدة الترابية للصومال، ما يجعل المسارات المستقبلية بمثابة تحول جيوسياسى مدفوع بأولويات إسرائيلية إثيوبية وطموحات أرض الصومال، يفتح بابا واسعا للتجاذبات الإقليمية والدولية، وشرارة لتمزيق دول أخرى، وقد ينقلب السحر على الساحر، فإثيوبيا التى تحتل إقليم أوجادين الصومالى قد لا تسلم من نتائج أفعالها!.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية