تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. محمد حسين أبوالحسن > «السد الإثيوبى».. والوساطة الأمريكية

«السد الإثيوبى».. والوساطة الأمريكية

بعد اكتمال بناء السد الإثيوبى ودخوله مرحلة التشغيل، وظهور تأثيراته السلبية على مصر والسودان، بات مصدر قلق حقيقى للدولتين؛ تواجهان مخاطر الفيضان أو الجفاف؛ نتيجة التحكم الإثيوبى المنفرد فى السد.

 

تعتبر القاهرة السد تهديدا وجوديا، ينذر بأزمات لم تعهدها البلاد من قبل؛ وتطالب باتفاق قانونى ينظم عمليات الملء والتشغيل، لاسيما خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد، بالمقابل تصمّ أديس أبابا آذانها عن الاستجابة لمطالب القاهرة والخرطوم، بعد 14 عاما من المفاوضات الماراثونية الفاشلة بين الدول الثلاث؛ ترى إثيوبيا السد أداة للهيمنة على النيل الأزرق، بقدر ما هو مشروع تنموى، إن سياسة «الحق المطلق فى التنمية» تتناقض مع مبدأ «عدم الإضرار» و«مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول» وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن الأنهار الدولية.

هذا الانفراد الإثيوبى يحول إدارة النهر من علم إلى مقامرة هيدرولوجية، تعصف بحياة عشرات الملايين من السودانيين والمصريين؛

لهذا سارعت القاهرة عقب بدء تشغيل السد، الشهر الماضى، لإرسال تحذير إلى مجلس الأمن الدولى، أنها «لن تقبل بهيمنة إثيوبيا على الموارد المائية المشتركة».

ثم شدد الرئيس السيسى على رفض أى إجراءات أحادية على النيل، وأن القاهرة لن تقف مكتوفة الأيدى أمام النهج الإثيوبى، وستتخذ جميع التدابير لحماية أمنها المائي؛ موضحا أن مصر تواجه تحديات جسيمة فى ملف المياه، تعتمد بنسبة 98% على النيل، ويبلغ نصيب الفرد 500 متر سنويا؛ أى نصف خط الفقر المائى.

وأنها قدمت بدائل تلبى أهداف إثيوبيا التى قابلت ذلك بتعنت لا يفسر إلا بغياب الإرادة السياسية، والسعى لفرض الأمر الواقع، مؤكدا أن الإدارة الإثيوبية غير المنضبطة للسد أضرت بدولتى المصب.

ردّت إثيوبيا ببيان زعمت فيه أن من حقها السيادى استخدام النيل الأزرق والاستفادة من مواردها المائية، وتنصلت من الاتفاقيات السابقة حول النيل، بوصفها نتاجا للحقبة الاستعمارية، علما بأن هذه الاتفاقيات هى التى ترسم خطوط الحدود، وكأنها تقول إن من حقها أن تتحكم بمياه النهر كما يحلو لها.

وردا على البيان الإثيوبى، حذر رئيس الوزراء مصطفى مدبولى من أن الأمن المائى ليس مجالا للمساومة أو التجريب السياسى، وأى تصور بإمكانية المساس بحقوقنا التاريخية والقانونية محض وهم لدى أصحابه، وأن مصر حازمة فى الدفاع عن حقوقها بكل الوسائل المشروعة.

هذا التصعيد المتبادل بين مصر وإثيوبيا يرفع حرارة الخلاف إلى درجة غير مسبوقة، كل السيناريوهات ممكنة، ولا حل إلا باتفاق قانونى حول السد يراعى مصالح الجميع، ويحقق التوازن بين الحقوق والواجبات؛ ولا طرف يمكنه المساعدة فى تحقيق ذلك حاليا سوى الولايات المتحدة.

فى عام 2019، كثفت واشنطن مساعيها للتوسط فى نزاع «السد الإثيوبى»، بقيادة وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولى، خلال ولاية ترامب الأولى، واستطاعت الوصول إلى اتفاق، لكن إثيوبيا انسحبت من جلسة التوقيع على الاتفاق، عام 2020، خفضت إدارة «ترامب» آنذاك 300 مليون دولار من المساعدات لإثيوبيا، لكن المساعدات عاودت الارتفاع إلى مليار دولار، فى ولاية بايدن، حيث تراجعت أولوية ملف السد؛ نتيجة الحرب بالسودان، ثم الاضطرابات الإقليمية فى غزة وغيرها.

بيد أن التشغيل الكامل للسد الإثيوبى، أعاد قضيته إلى واجهة الاهتمام الإقليمى والدولى، مع خسائر الفيضان فى السودان ومصر، لفتح بوابات السد بلا تنسيق؛ تناول ترامب الأزمة فى عدة مناسبات، وصف السد بأنه يحجب المياه عن النيل «مصدر الرزق والحياة لمصر»، وأنه «لوكنت فى مكان مصر، لحرصت على ضمان تدفق المياه إلى النهر، وأن تحل المسألة سريعا، وستُحل حتما»، وأشار إلى أن بلاده شاركت فى تمويل السد، واعتبر ذلك نوعا من الغباء، وكرر أنه أوقف «حربا كان يمكن أن تنشب بين القاهرة وأديس أبابا»، وأن القضية ضمن النزاعات التى تسعى إدارته لحلها.

ربما يشعر ترامب بمرارة تجاه مراوغة الإثيوبيين فى ولايته الأولى؛

لكن الواقع يشير لعدم انخراط كبار مسئولى الإدارة جديا فى حل النزاع، أغفلت المكالمة الهاتفية بين وزير الخارجية الأمريكية ورئيس الوزراء الإثيوبى، يوليو الماضى، ملف السد، ما اعتبره محللون تجنبا للوساطة. بينما قال مسعد بولس مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشئون الإفريقية إن ملف السد مهم واستراتيجى بالنسبة لواشنطن، وإنها تسعى لإيجاد حلول سلمية، تقوم على الحوار للوصول إلى إطار تقنى متفق عليه، وكشف عن احتمالية أن تكون هناك مبادرة للرئيس ترامب، تجمع الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الإثيوبى لحل المشكلة.

ولاشك فى أن اهتمام ترامب بمعالجة قضية السد يعد تطورا إيجابيا، فى ضوء تأثيراته المحتملة على وجود ومصالح دولتين حليفتين لأمريكا مثل مصر وإثيوبيا، ويهدد استقرار الشرق الأوسط والقرن الإفريقى، وبالتالى الأمن والسلم الدوليين.

تستطيع إدارة «ترامب» المساعدة فى حل تعقيدات أزمة السد، غير أن جهود الوساطة الفعلية لاتزال متواضعة، وإذا كان الرئيس الأمريكى جادا فى التعاطى مع القضية، فيجب عليه وضع استراتيجية شاملة لحل الخلافات المعلقة، بين الدول الثلاث، وصولا إلى «اتفاق قانونى» يقوم على اتباع آليات شفافة لتبادل البيانات بشأن ملء السد وتشغيله، وتصريفات المياه واستعمالاتها، وإجراء الدراسات حول أمان السد، وكفالة حقوق دولتى المصب فى مصدر الحياة الوحيد، مع تقديم ضمانات تقنية وتنموية لإثيوبيا، بدون ذلك يظل السد مصدرا لنزاع مرشح لتصعيد بالغ الخطورة.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية