تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
إسرائيل الكبرى ... الوعى المهزوم
ظلت الذات الصهيونية منذ آماد طوال تراودها أحلام التوسع والسيطرة ونوازع الطغيان واستراتيجية الهيمنة، لم تتخل لحظة عن تلك الأحلام البغيضة المثيرة للاشمئزاز، لم يكن لها وقفة مراجعة أو تصحيح أو تقييم، تجاهلت معطيات الظرف الدولى فى وتيرته العاصفة والهادئة لم تعتد لحظة بالطابع الإنسانى والأخلاقى أو طبيعة وأحوال الكيانات المحيطة بها، لم تستوقفها حركة التاريخ ... نحو أى مسار تتوجه؟ ولا ما حفلت به هذه الحركة من نزاعات واشتباكات ومؤامرات وحروب أودت بجماعات وأنظمة ودول وأسست لعداءات استمرت لقرون.
واستهانت الذات الصهيونية بمعنى الحدود لتؤكد عبثيات الجغرافيا، ضلت السبيل نحو هندسة الوعى لأنها ذات تعشق الكراهية حتى لكل من دعمها علاوة على من عاداها، تتحلل من الولاءات وتجنح نحو النزعات الفاشية، تعادى فكرة السلام وتنهمك مع أفكار الإبادة والتشريد والتجويع.
ذات مستقوية بغيرها لا بذاتها، ذات ارتضت أن تكون دمية صغيرة أو شبحا ترعاه الإمبريالية الغربية منذ ثمانية عقود لتكون غايتها المثلى تفعيل المشروع الاستيطانى الدموى فى كل الأراضى العربية، ذلك المشروع الذى تتجدد مشاهده وتتنوع آلياته العسكرية بين آن وآن،
لكن جاءت اللحظة التى تكشفت فيها كل الخوافى والمكنونات بإعلان مشروع إسرائيل الكبرى أو الحلم التاريخى الذى تأتى له زمنا إستراتيجيا مواتيا تجلى فيه دمار غزة وسكون المناخ العربى ومهادنة الأنظمة الغربية وتأييدها الذات الصهيونية من منطلق تعميق جذور تلك الشوكة الحادة فى المحيط العربى أرضا وعقلا ونفسا لتصير ماردا مرعبا للمنطقة بأسرها.
ولكن كيف لهذه الذات التى خاضت حربا ضارية - أتت على غير مثال - ضد الفلسطينيين فى غزة ولم تحقق خلالها ما أرادت من أهداف وطموحات، إذ إن حماس لم تستسلم ولم تتم تصفيتها والخلاص منها، كما أنه لم يتم تحرير الرهائن الإسرائيليين لديها، إضافة إلى حجم الخسائر المادية والبشرية التى تكبدتها هذه الذات طيلة عامين من الفشل الذريع فى تنفيذ عمليات التهجير، وعلى ذلك فما تحقق واقعيا هو شيوع السمعة الحقيقية للذات الصهيونية ووصمها بالعدوانية والوحشية والدموية لدى أغلبية الأنظمة وكل الشعوب، وكذلك نجحت هذه الذات فى حشد موجات النفور الدولى حولها،
وطبقا للمعايير الاستراتيجية فقد منيت هذه الذات بهزيمة ساحقة نظرا لعدم تكافؤ القوة بينها وبين حركة المقاومة وحشود الشعب الفلسطينى الصامد وبدلا من أن تظل القضية الفلسطينية هى القضية المركزية عربيا صار هناك تعاطف دولى جارف مع القضية فى كل أبعادها على وجه التقريب.
إن الذات الصهيونية التى توهم نفسها بأنها تنهض بمهمة تاريخية روحية مقدسة باجتياحها بعض الدول المجاورة إنما تمارس نوعا خاصا من الجموح والرعونة والشذوذ لتسجل به أبشع الجرائم السياسية التى تواطأت معها رموز الكتلة الغربية فى تصعيد معدلاتها لحدود جنونية. وعلى ذلك تتوالى التساؤلات على غرار ..
هل منحت أحداث غزة طاقة إيجابية للدولة العبرية خولت لها استساغة التمدد الصهيونى ليشمل عددا من الدول بينما لم يحسم المنطق فيها من المهزوم ومن المنتصر؟ وكيف لم تمنحها حربها مع إيران تلك الطاقة؟ وكيف لهذه الدولة التى تمتد مناوشتها مع سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وإيران أن تخوض أفقا عسكريا جديدا مع دول أخرى؟ وماذا لو تباطأت القوة الأمريكية وغيرها فى دعمها الكيان الصهيونى فى إطار تمرد شعبها على هذا الدعم؟
ألم تتحسب الدولة العبرية لموقف الكيانات الكبرى كالصين وروسيا وكوريا الشمالية وغيرها من الدول النووية تجاه ذلك المشروع الأحمق المسمى إسرائيل الكبرى؟
وما هى مؤشرات استقامة سياسات الدولة العبرية بينما تثور داخلها حركات التمرد رفضا وشجبا وطعنا فى مصداقيتها؟ ألم تستشعر الدولة العبرية كونها دمية صغيرة بين أنامل القوى الغربية بينما تعلن فى فجاجة صارخة أهمية تغيير وجه الشرق الأوسط؟
إن أخطر الخطر الذى يسود عالمنا المعاصر هو غياب الثقافة وليس شيوع امتلاك النووى، فهذا الغياب قد سادت معه المطامع والأحقاد والكراهية والتآمر ورفض الآخر وتجلت فيه العشوائية وتبددت فيه شرعية الأشياء وبهتت فيه الحقائق وطمست الوقائع وصار إعلان الأنا واحتقار ما سواها هو الآلية الإنسانية المعاصرة.
وكل ذلك هو بعض مما تتمثله الدولة العبرية التى لا توقن بأن احتلال الأرض لا يعنى شرعية امتلاكها وأن تدمير المدن وقتل الأطفال والنساء والشيوخ لا يعنى النصر، وكذلك امتلاك التقنيات العسكرية لا يعنى البطولة والبسالة وأن جيوشا يجتاحها الخوف أمام حركة مقاومة تملك الثقة والإيمان بالحق يمثل أكبر الفضائل، وكذلك فانتصار الآلة لا يعنى صحوة الوعى وأن الوعى المهزوم هو الذى يتشدق بأحلام مستحيلة وبمعقولية الأوهام ...
الوعى الرافض لاستلهام عبر التاريخ والاستمساك بفكرة البقاء الأبدى وأن الديمومة الوجودية التى لم تكن يوما لكبرى الإمبراطوريات فبالطبع لن تكون لكيان صنعته الطفيلية السياسية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية