تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. محمد الضويني > الاختلاف والضوابط الأخلاقية

الاختلاف والضوابط الأخلاقية

إنَّ من أهم مقاصد الإسلام بعد توحيد الله تعالي، العناية بجمع شتات الأجناس فى إطار واحد، ونبذ الفرقة والخلاف بينهم، حتى أفرغ جميع أتباعه فى قالبٍ واحدٍ، هو قالبُ الأمة الوسط التى جمعت شتات الفضائل، ونبذت التعصب والجدل والخلاف.

ومع أن الإسلام حرص على تماسك المجتمع الإسلامى بكل مكوناته، وقرَّرَ كل الأصول والقواعد التى تحفظ وحدته واستقراره، إلا أن الاختلاف والتنوع بين الناس أمر واقع لا يمكن إنكاره، أو الانفكاك عنه، فهو سنة ربانية، وحكمة إلهية، وطبيعة بشرية؛ بسبب تفاوت العقول والأفهام، واختلاف الأنظار، وتشعب الآراء  والأفكار، مما تقتضيه طبيعة الإنسان، والأحكام المتغيرة بتغير الزمان، قال تعالي: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ» [هود:118].

وكما يوجد اختلافٌ محمودٌ يقوم على التنوع والتعدد، يوجد أيضًا –مع الأسف- اختلافٌ مذمومٌ، وهو اختلاف التضاد والتباين، اختلاف يندرج فى إطار نمط فكرى موروث، يجعل صاحبه يضيق ذرعًا بما يصدر من آراء تخالف ما يتبناه  من أفكار، اختلاف يدعو إلى الفرقة والتحزب، والدخول فى خلافات لا يجنى المجتمع من ورائها إلا التعصب ونشر الكراهية بين أرجائه.

 لذا، حثنا الشرع الحنيف على ضبط الخلاف وَفقَ قواعد الائتلاف، وأن نرسخ فى ذهن النشء منذ نعومة أظفاره ثقافة الحوار وشرعية الاختلاف، مما يحول بينه وبين نزعة الغلو والتعصب وانغلاق الفكر وجموده على رأى واحد، كما بَيَّنَ لنا أن الأصل فى الخلاف الرحمة والسعة، إلا إذا دخله الهوى والعُجب وحظ النفس. 

فالله أوسع لنا أن نختلف فى فروع الدين، ما دام اختلافنا فى إطار الأصول الشرعيَّةِ، والقواعد المَرعيَّة، وقد اختلف الصحابة والتابعون وأئمة المذاهب، فما ضرَّهم ذلك شيئًا؛ بل كانوا إخوانًا متحابين،

ورحم الله الإمام الشافعى حين قال: «ألا يصح أن نختلف ونبقى إخوانا»، اختلفت آراؤهم، ولم تختلف قلوبهم، لا يعيب أحدٌ منهم رأيًا رآه غيره، فكانوا بهذا أقرب فى الوصول إلى الحق والصواب، فبارك الله أعمارهم وحفظها من أن تضيع فى عناد ممقوت، وجدل عقيم، ومراء سقيم، ليس له من باعث سوى التعصب للرأي، مهما بَعُد عن الحق.

 وختامًا: فإن دعوة الإسلام إلى التعارف هى الأساس الذى تقوم عليه أخوة إنسانية تحترم الاختلاف، وتجعل منه مُنطلقًا للتوافق والتعاون المشترك، وإننا اليوم فى أشد الحاجة إلى تكثيف الجهود بين المنظمات والقوى الفاعلة فى المجتمع؛ لسد فجوة الاختلاف المذموم وتفعيل آلة الحوار، وتقبل الآخر - رغم الاختلاف معه فيما يجوز فيه الخلاف- تفعيلًا قويًا، يُسهم فى تعزيز الوعى بالأمن الفكري، والسلام العالمي، وإنهاء الصراعات والحروب، وإرساء دعائم السلام والتسامح والتعايش المشترك.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية