تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
طوفان الأقصى .. محاولة أولية للفهم
ربما يكون من أبرز النتائج التى سوف تترتب على الحدث الجلل الذى صدم الجميع فى العالم يوم السابع من أكتوبر 2023 بانطلاق «طوفان الأقصى»، ليسقط معها نظرياته الأمنية وأساطيره المفاهيمية التى حرص هذا الكيان دائما على الترويج لها، خاصة أسطورة «إسرائيل القوة الإقليمية العظمى التى لا تقهر»، هى تلك النتائج التى ستفرض نفسها بعد أن ينقشع غبار الحرب الانتقامية المجنونة التى يشنها كيان الاحتلال بمشاركة ودعم غير مسبوقين من الولايات المتحدة الأمريكية ومعها القوى الأوروبية الحليفة (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) على قطاع غزة منذ ذلك اليوم المجيد.
البعض يميل إلى تسمية «طوفان الأقصى» وما أحدثه من تصدعات فى كيان الاحتلال الإسرائيلى، وما سيحدثه فى منظومة العلاقات الإقليمية الشرق أوسطية، «الصدمة»، فى حين يميل آخرون إلى تسميته «انكشاف الحقائق الكامنة فى مكونات الصراع العربى - الإسرائيلى ومحورية الدور الإسرائيلى وقبله الدور الأمريكى فى هذه المكونات»، وانقشاع الغبار المتراكم على مدى عقود مضت عن الجوهر الوضاء لحركة المقاومة الفلسطينية وعلاقتها بالأرض «التى تعرف أصحابها»، ضمن معادلة «الوطن أو الموت».. تلك الكلمتان اللتان خلدهما التاريخ، واختتم بهما القائد "العالمي" أرنستو تشى جيفارا خطابه الذى ألقاه فى الأمم المتحدة فى نيويورك (11 ديسمبر 1964) ليؤكد حق الشعوب فى تقرير مصيرها.
كتائب القسام، التى نفذت أسطورة «طوفان الأقصى»، وعت المعنى وطورت المفهوم وفقا لمعتقداتها إلى ثنائية "النصر أو الشهادة" وكلاهما بالمفهوم الإيمانى انتصار وقهر لكل مستحيل على نحو ما حدث يوم السابع من أكتوبر 2023 . فى هذا اليوم دارت معركة «سيخلدها التاريخ» بين مجموعات فلسطينية مسلحة من «كتائب الشهيد عز الدين القسام» التى تنتمى إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لم يتجاوز عددها الألف مقاتل، وبين فرقة عسكرية تنتمى إلى "قوة إقليمية" تزعم أنها «عظمى». هاجم المقاتلون الفلسطينيون، بعد أن تجاوزوا بنجاح «الحائط العازل» الذى تكلف مليارين من الدولارات، ليحمى مستعمرات ما يسمى «غلاف غزة» الإسرائيلى من تغلغل عناصر المقاومة، داخل كيان الاحتلال، واشتبكوا مع الفرقة 643 التى تتولى مهمة حصار غزة، والتى يبلغ عدد عناصرها نحو 20 ألف جندى وضابط، والمجهزة مواقعها بكل تقنيات المراقبة والاستطلاع والإنذار المبكر، واستطاعت هذه المجموعات من المقاومة الوصول إلى كل مواقع هذه الفرقة والاشتباك مع العناصر الموجودة فيها وإسقاط معظمهم بين قتيل وجريح وأسير، لتعلن إسقاط الأسطورة، فتفجر بعدها بركان الانتقام الإسرائيلى الأمريكى فى محاولة مستميتة للحيلولة دون هزيمة إسرائيل، على نحو ما أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن بأن الولايات المتحدة «لن تسمح بهزيمة إسرائيل»، ولتجاوز ما اعتبره بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى «أسوأ جريمة قتل جماعى لليهود منذ الهولوكوست». هل يمكن لـ «حرب الإبادة الجماعية» ونهج سياسة «الأرض المحروقة» والجرائم «ضد الإنسانية» التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى على أهالى غزة الذين تجاوز شهداؤهم الـ 18 ألف شهيد، ناهيك عن عشرات الآلاف من المفقودين تحت ركام المبانى المهدمة، وأكثر من 75 ألفا من الجرحى والمصابين حتى 2023/12/6 أن تحقق النصر لإسرائيل وفق الأهداف التى تعجلوا فى إعلانها؟. الحكومة الإسرائيلية، فى تصريح رسمى حددت 3 أهداف، هى: استعادة المخطوفين (الأسرى) عبر الحملة العسكرية وليس عبر التفاوض، والقضاء نهائيا على حركة «حماس»، وضمان أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا على أمن إسرائيل فى المستقبل، وزاد «جلعاد أردان» مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة هدفا رابعا هو «تسليم جميع المشاركين فى هجوم 7 أكتوبر». أصدقاء إسرائيل فى «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، خاصة الثلاثى: روبرت ستالوف المدير التنفيذى بالمعهد ورجل المهام الصعبة فى الدبلوماسية الأمريكية، ودينيس روس المستشار والزميل فى المعهد المستشار السابق لشئون الشرق الأوسط فى إدارة الرئيس باراك أوباما، وديفيد ماكوفسكى مدير مشروع عملية السلام فى الشرق الأوسط بالمعهد، الذين أعدوا دراسة استباقية عن معالم «اليوم التالى» لانتهاء الحرب فى غزة، سطروا فى هذه الدراسة قولا مأثورا مفاده أن «أى خطة عسكرية لا تصمد بعد الاتصال بالعدو»، وهذا ما حدث بالنسبة لإسرائيل التى جلست للتفاوض مع حركة «حماس» بشكل غير مباشر فى الدوحة عبر الوساطة القطرية والمصرية والمتابعة الأمريكية وأسفر هذا التفاوض عن التوصل إلى هدنة أولى لأربعة أيام (ابتداء من 24 نوفمبر 2023) وثلاث هدن أخرى انتهت كلها الخميس 30 نوفمبر 2023، وجرى عبرها تبادل الأسرى على أربع جولات، قبل أن تستأنف إسرائيل الحرب بأعنف مما كانت بعد إصرار حركة «حماس» على «تبييض السجون الإسرائيلية من كل الأسرى الفلسطينيين» مقابل ما لديها من أسرى أو مخطوفين وفق قاعدة «الكل مقابل الكل». هذا يعنى أن النصر الإسرائيلى أضحى «مراوغا» فهم اتصلوا فعلا بالمقاومة (العدو)، وهذا معناه تفريغ العملية العسكرية الإسرائيلية من مضمونها، وهم حصلوا على عدد من الأسرى أو المخطوفين «عبر التفاوض» وليس عبر «القهر العسكرى»، وتكشَّف للعيان أن حركة «حماس» هى التى بيدها جدول أعمال ما سيحصل وليس إسرائيل.
ضمن هذه الحقائق والاستنتاجات كيف سيكون المستقبل؟.
السؤال أجاب عنه بدقة «ناحوم برنياع»، أبرز محللى صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، عندما كتب أن «صباح السابع من أكتوبر (يوم انطلاق طوفان الأقصى) كان الأصعب والأشد مرارة منذ إنشاء إسرائيل»، مشيرا إلى أن هذا اليوم «ليس له تاريخ انتهاء»، بمعنى أن آثاره ستبقى ممتدة، وهنا وبالتحديد يقول الكاتب: «هذا هو الفارق، ربما بين الحادثة والكارثة. فى الحادثة يكون من الطبيعى الطموح للعودة إلى وضع الواقع الذى كان قبلها. أما فى الكارثة فيجب إعادة التفكير فى المسار». هكذا ستتحدد معالم مستقبل كيان الاحتلال .
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية