تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

«حكايتى مع الأهرام»

يحتفل عالم الفكر وجريدة الأهرام بمرور 150 عاما على تأسيسها، فقد أثار ذكريات عدد كبير من المفكرين والكتاب فبادروا بتسجيل ذكرياتهم معها. لم تقف ذاكرتى صامدة إزاء هذا فاستعادت ذكريات وأحداث مع الأهرام.

عادت الذاكرة لنهاية المرحلة الابتدائية عندما كنت أتسابق لأقرأ لجدى فقرأت من الأهرام وكان يقرؤها كل يوم حتى أبهره بقدرتى على القراءة.

كنت أنا وأخواتى فى إجازة الصيف نتواصل مع أطفال الشوارع وندعوهم للنظافة والقيم الإيجابية ونحاول أن نعلمهم القراءة حتى يأتى اليوم الذى يتمكنوا من قراءة الجريدة التى يقومون بتوزيعها. كنا نشجعهم على العمل بدلاً من التسول الذى كانوا يعتبرونه مهنة تدر عليهم ربحا أكثر من العمل.

كان للأسرة علاقة وطيدة مع الأهرام وكتابها ومنهم أستاذ أحمد الصاوى كان له عمود بعنوان «ما قل ودل» طلبت منه أن يكتب نداء يدعو الناس ألا يشجعوا المتسولين بل يشجعوا من يعمل منهم، وأشرت الى تجربتى قال لى «هذه قصة بها معان كثيرة اكتبيها وأنا أنشرها قلت حضرتك الكاتب قال لى أنت صاحبة التجربة وسوف تكتبينها أفضل منى».

استسلمت لقوله وكتبتها وقام بنشرها ولاقت قبولا. لم أكن أتصور عندئذ أنى اكتب ما يستحق النشر وكانت هذه أول علاقة مهنية لى مع جريدة الأهرام أحد منابر الفكر والاستنارة فى مصر والعالم العربى لمائة وخمسين عاما .

نفس الشىء حدث يوما مع الأستاذ موسى صبرى عندما أبديت له رأياً عن تخفيض سن الترشيح لمجلس الشعب لـ 25 سنة ليمارس الشباب حقوقه السياسية داخل المؤسسات الرسمية وليس خارجها فقال لى اكتبى هذا الرأى لأنه يستحق النشر قلت له إنه مجرد فكرة أنت يمكنك أن تكتبه أفضل منى قال غير صحيح أفضل الآراء هى ما يعبر عنها صاحبها، كتبتها ونشرها بالأخبار ولاقت قبولا.

شجعنى عدد من الأصدقاء وكتاب الأهرام الاستمرار فى الكتابة والتعبير عما أفكر وما اعتقد وما أرى حولى رغم أنى كنت مازلت طالبة واستمرت كتاباتى فى الأهرام بتشجيع مدير التحرير وقتذاك الأستاذ انطون الجميل. عندما سافرت الى الولايات المتحدة طلبوا منى أن أوافيهم بما يصادفنى من أخبار تتعلق بمصر والمصريين.

أول مقال كتبته كان عن المرأة المصرية اللامعة فى الولايات المتحدة وأشرت الى بعض منهن سوزى حبشى، ايزيس راغب. عاصرت كبار الكتاب بالأهرام وكان تشجيعهم لى من أهم عوامل اقدامى على التعبير عن الفكر والرأى بالقلم أذكر منهم يوسف السباعى وهيكل وعلى حمدى الجمال وصلاح منتصر.

لم تكن ثقتى فى قدرتى على الكتابة كبيرة إلى أن حدثت واقعة مصدرها الكاتب الكبير الوطنى أحمد بهاء الدين. كتبت يوماً مقالاُ عن «الذاكرة الموضوعية» نشر بالأهرام نوفمبر 1981 جاء به أن أمانة التاريخ تفرض علينا أن نذكر ونسجل الحقائق بموضوعية وكان الكثيرون عندئذ يحللون الأحداث والشخصيات التاريخية حسب ما يريدون أو حسب مصالحهم وعلاقاتهم الشخصية..

اليوم التالى بدأ استاذ أحمد بهاء الدين عموده: «د.ليلى تكلا وجدت التعبير الذى كنت أبحث عنه ولم أجده» وهو تعبير «الذاكرة الموضوعية» وبدأ يعيد الفكرة ويعرضهـا، وبعد يومين أشار مرة أخرى فى مقاله إلى أهميتها. هذه الواقعة وهذه العبارات من واحد من أهم كتاب مصر والعالم العربى وأكثرهم صدقاً وخبرة ومقاماً كان لها وقع كبير على فقد أعطانى الثقة والاطمئنان أن لدى بعض القدرة على الكتابة والتعبير كما كان درسا فى التواضع والبساطة والموضوعية.

أنشئت جريدة الأهرام 1875 وكان الجدل يثور بينى وبين بتسى تقلا هى تصر أن تقلا أسرة من لبنان والفرع الذى جاء مصر وأنا أصر على أن أصلها مصرى والفرع الذى ذهب لبنان.

استمرت مقالاتى بالأهرام تسجل ما يدور حولنا وما يحدث لنا فى مراحل مختلفة لكل منها صفاته ومعالمه، مساوئه ومحاسنه.

طلب منى أحد الناشرين أن أنشرها فى كتاب، نصحنى الزملاء والأصدقاء أن أقوم بجمعها على الأقل. بالفعل حاولت جمعها طلبت من أكثر من رئيس تحرير الحصول عليها.. قيل لى إن هناك رسوما مطلوبا دفعها وقلت إنى مستعدة للدفع، لكن مشاغل مسئولياتهم منعتهم من الاهتمام بذلك الطلب إلى أن وصل إلى رئاسة التحرير شخص لديه حس سياسى وحس اجتماعى إنسانى أستاذ محمد عبدالهادى الذى استجاب لذلك الطلب. وصلنى يوماً مظروف كبير به ثلاثة مجلدات عبارة عما سجلت بالأهرام منذ 1960 إلى ذلك اليوم. تصفحتها وتعجبت أنى قمت بكل ذلك لكنى اقتنعت أيضا أن كتاب الحياة سلسلة من الأحداث مترابطة كل منها يعكس قضية ما أو حدث له معناه وأن القلم عندما يتكلم قوة لا حدود لها. ولأنها تروى حكاية وطن طلب منى ناشر محترم «مكتبة الأنجلو» أن يتولى أمر نشرها بعد أن أضفنا ما كتبت بعد ذلك وأصبحت خمسة أجزاء، وقررت أن يكون عنوان الكتاب «عندما تكلم القلم».

عندما ظهرت جريدة الأهرام ويكلى حرص رئيس التحرير حسنى جندى على توطيد العلاقة بينها وبين الأهرام باللغة العربية وكان يترجم بعض المقالات للإنجليزية. ترجمت بعض مقالاتى وأشارت إليها أكثر من جريدة أجنبية أولها لوس انجلوس تايمز حيث كان لى زملاء دراسة فى لوس انجلوس أصبحوا يعملون بها. كان مصدر سعادة لى أن الجرائد الأجنبية هى التى تقتبس وتنشر من صحيفة مصرية وليس العكس كما كان يحدث دائما ومازال الأهرام ويكلى الذى قام بتطويره والاهتمام به أستاذ عزت إبراهيم يقوم بترجمة بعضها. علاقتى المهنية بالأهرام استمرت 65 عاما. عاشت الأهرام 150 عاما ازدادت خلالها تألقاً واستمرت منبرا مضيئا للفكر والمعرفة قيل عنها الكثير .

وصفها عميد الأدب العربى د. طه حسين بأنها «ديوان للحياة الإنسانية المعاصرة». قال عنها الإمام محمد عبده «أنها أسست قواعدها فى القلوب تنادى بمقالها وحالها: حى على الفلاح وهلموا الى موارد النجاح». وهى تظل الى اليوم كل ذلك بل أكثر منه أثبتت الأحداث أننا جميعا نهرم أما الأهرام فلم تهرم ولن تهرم أبدا، حفظ الله مصر وكتابها ومفكريها.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية