تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. على عبدالعزيز سليمان > محاكمة هارفارد فى الكونجرس الأمريكى

محاكمة هارفارد فى الكونجرس الأمريكى

شهد الكونجرس الأمريكى فى الخامس من ديسمبر الحالى محاكمة من نوع فريد. إذ استدعى الكونجرس ثلاثة من رؤساء أعرق الجامعات الامريكية للاستفسار عما اذا كانت المظاهرات والتعبير عن الرأى المساند للقضية الفلسطينية الذى شهدته جامعاتهم يمثل تهديدا للدولة اليهودية ومخالفا لقواعد الجامعات بخصوص التحيز والتمييز! والجامعات هى هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وكلاهما فى مدينة الليبرالية الامريكية، بوسطن، وجامعة بنسيلفانيا فى فيلادلفيا. بالطبع لم تسم تلك الجلسة بالمحاكمة بل ان لجنة التعليم والعمل استدعت رؤساء الجامعات، وكلهن من السيدات، كشهود. مع ذلك فإن اجواء المحاكمة كانت فى كل مكان، ومن ذلك مطالبة كل منهن بالإقرار عما اذا كن يعتقدن فى حق دولة إسرائيل فى الوجود، وعن رأيهن فى هجوم حماس على اسرائيل فى 7 أكتوبر الماضى. وبدأت كل منهن شهادتها ببيان عام يؤكد رفض جامعتها للهجوم الهمجى على دولة اسرائيل، وعلى تمسكهن ايضا بحرية التعبير، ومقاومة أى دعم للعنف والتهديد والتحرش داخل الجامعة. ووضحن أيضا ان هذا التمسك بحرية التعبير ومحاربة العنف او التهديد به أو التحيز يمتد إلى حماية العرب والمسلمين الذين تعرضوا ايضا لمثل هذه الممارسات. ولم يكتف اعضاء اللجنة التى ترأسها العضوة من الحزب الجمهورى فيرجينيا فوكس Foxx بهذه السياسات العامة، بل راحوا يسألون عما فعلته الجامعة بخصوص أحداث معينة، وهل تنوى الجامعة مثلا ان ترفد اعضاء هيئة تدريس أو طلبة من العرب أبدوا تحمسا فى مظاهرات ضد الدولة العبرية أو طالبوا بعودة يهود الشتات الى البلدان التى قدموا منها. وسأل آخر كيف وافقت جامعة على استضافة متحدث معين برغم اعتراض الهيئة اليهودية لمحاربة التشهير!؟ ولم يفوت بعض المحافظين فى اللجنة الفرصة للهجوم على مواقف الجامعات الليبرالية عموما فى القضايا السياسية. بل استشهد احدهم باستطلاع للرأى بين طلبة هارفارد يظهر ان فقط 1% منهم يؤيدون القضايا المحافظة ودونالد ترامب، بينما حصل الاخير على 50% من اصوات الناخبين فى الانتخابات الأخيرة! واستنتج ان هذه الجامعة لا تعمل بما فيه الكفاية على تحقيق التنوع بين طلبتها! واتهم آخر رئيسة جامعة بنسلفانيا بالنفاق حيث إنها منعت محاضرة لرئيس وزراء الهند ناريندرا مودى، الذى اعترض على وجوده بعض أعضاء هيئة التدريس من الهنود، بينما سمحت بإقامة يوم فلسطين فى سبتمبر الماضى للتوعية بالقضية. وفى الواقع ان السيدات الثلاث كن على مستوى الحدث، وتمسكن بسياسة الجامعة بخصوص حرية التعبير وضمانات الدستور الأمريكى فى هذا المجال. وقلن إنهن يتدخلن فقط إذا كانت المحاضرة أو الندوة تسبب العنف أو الاعتداء او تهدد الآخرين. كذلك رفضت رئيسات هذه الجامعات العريقة بهدوء ووقار مناقشة حالات محددة، مع ان رئيسة اللجنة ذكرت ان يوم فلسطين والمظاهرات المؤيدة لغزة مثلت تهديدا وجلبت شكوى أفراد بعينهم. مع ذلك لم يسلم النقاش وتوابعه من الانفعال والاتهامات الجزافية. ولعل أكثر المناقشات حدة هو هجوم النائبة من نيويورك إليز ستيفانك Stefinak على رئيسة جامعة هارفارد. وبدأت الهجوم بسؤال بريء: هل تعرفين معنى كلمة انتفاضة!؟ واجابت الدكتورة كلودين جاى Gay رئيسة الجامعة، وهى استاذة للعلوم السياسية، وإن كانت تتخصص فى المجتمع الامريكى وسياسات تحقيق المساواة بين الاعراق، بالايجاب. وهنا انطلقت السيدة النائبة المحترمة لتقدم تعريفا مزيفا، اذ وصفت الانتفاضة بأنها مقاومة مسلحة ضد الدولة العبرية، وان الانتفاضة تعنى قتل المدنيين اليهود بل انها تنادى بالابادة الجماعية! وبعد اقتراح هذا التعريف الخاطئ انطلقت لتسأل رئيسات الجامعات واحدة بعد الاخرى كيف توافقن على مظاهرات تنادى بالانتفاضة أى الابادة الجماعية لليهود Genocide. وهكذا وقعت السيدات رئيسات الجامعات فى ورطة. فمن ناحية هن يدافعن عن حرية التعبير، ولا يمكن لهن التنبؤ مقدما بما سوف يجرى فى هذه الندوات والمؤتمرات. ومن ناحية أخرى هن لا يستطعن تبنى تعريفا اكثر صدقا لمفهوم الانتفاضة كمقاومة للاحتلال والتعدى على اراضى وحقوق الفلسطينيين فإذا اعترفن بحق الفلسطينيين فى المقاومة لتأكد محاباتهن للإرهاب. وجاءت اجاباتهن مهتزة وميكانيكية، و تمسكن ان حرية الرأى مكفولة وانهن سيتدخلن فقط اذا مثلت الانشطة تهديدا أو تعديا على الاخرين. ولم تتوقف تبعات هذه المحاكمة للجامعات الأمريكية، وطالب أعضاء من الكونجرس باستقالة الرؤساء، وسحب بعض كبار الممولين وعودهم بالتبرع لهذه الجامعات الخاصة التى تعتمد على التمويل والسمعة الطيبة فى المضى قدما. وهكذا يتدخل الكونجرس فى صياغة الحوار العام حول فلسطين فى الولايات المتحدة. وبينا قد يؤثر المال أو التقاليد الجامعية فى مدى تمسك الجامعات الأمريكية بعرض وجهات نظر متباينة بخصوص فلسطين، فإن أعضاء الكونجرس يخضعون لحسابات متباينة منها طبعا التأييد المادى واصوات اللوبى الصهيونى، وكذلك طبعا طلبات الناخبين. ولقد شهدنا كيف تغير الرأى العام فى الاسابيع الماضية، وكيف خرج عشرات الآلاف، ومنهم الكثير من اليهود، دعما لفلسطين حرة. وهكذا تعود قضية فلسطين إلى ساحات الرأى والسياسة فى أمريكا.
رئيس جمعية العاملين بالأمم المتحدة سابقا

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية