تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
هرتزل ومشروع المستوطنة اليهودية فى سيناء
منذ اندلاع الاشتباكات العسكرية فى غزة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يوم 7 أكتوبر 2023، وتوجيه إسرائيل نيران مدفعيتها وحِمم طائراتها صوب الأحياء السكنية والقرى، وتصاعد عدد الشهداء والمصابين من الفلسطينيين يوما بعد يوم، تجددت محاولة إسرائيل إجبار الفلسطينيين للاتجاه نحو سيناء، ونشرت الصحف والمواقع الإخبارية المصرية والعربية عشرات المقالات حول هذا الموضوع، والذى وصفه الرئيس السيسى بأنه فكرة غير قابلة للتنفيذ.
وأريد فى هذا المقال أن أتوقف أمام صفحة قديمة تعود إلى أكثر من قرنٍ وتحديدًا فى عامى 1902 -1903 عِندما أُثير مشروع إقامة مُستوطنة يهودية فى سيناء المصرية وقد استفدت من المعلومات الواردة فيه من رسالة دكتوراة أعدها د. مُعتمر أمين المُدرس بالجامعة البريطانية تحت إشرافى، وكتابات أ.أمين هويدى ود. خالد عُكاشة.
ظهرت فِكرة هذه المستوطنة مع ازدياد المعوقات التى وضعتها السلطات العثمانية أمام الاستيطان اليهودى فى فلسطين، فبدأ التفكير فى مكان بديل. وعندما عرض اللورد روتشيلد، أكبر الداعمين سياسيًا وماليًا للحركة الصهيونية، على تيودور هرتزل، مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية، أوغندا، رفضها مفضلا عليها سيناء. وافق اللورد وطلب من هرتزل إعداد مذكرة تتضمن السماح باستيطان قُرابة 25 ألف يهودى فى سيناء، وذلك لعرضها على جوزيف تشامبرلين وزير المستعمرات بالحكومة البريطانية وذلك باعتبار أن مصر وقتها كانت تحت الاحتلال البريطانى، وحسب تعبير هرتزل فى المذكرة التى أعدها أن وجود مستوطنة يهودية كبيرة شرقى البحر الأبيض المتوسط تعزز تطلعنا لفلسطين. فى هذا السياق، تم ترتيب لقاء بين هرتزل وتشامبرلين فى أكتوبر 1902 لبحث الموضوع. كانت فكرة هرتزل هى إنشاء الشركة اليهودية الشرقية، والتى سوف تحصل على امتياز من الحكومة البريطانية يجيز لها استصلاح الأراضى وإقامة المستوطنات اليهودية فى منطقة العريش.وكان تقديره أن هذا المشروع سوف يتكلف خمسة ملايين جنية إسترلينى يقدم اللورد روتشيلد 40% منها، ويتم تغطية النسبة الباقية من مساهمات اليهود فى العالم، وأنه بعد الحصول على موافقة السلطات البريطانية، فإنه سوف يتم إرسال مجموعة من الخبراء إلى سيناء للقيام بأعمال المسوح اللازمة. وأنه سوف يتم استيطان اليهود بشكل تدريجى على أن يصبحوا من رعايا الدولة البريطانية وليس المصرية. وفى مقابل ذلك، فإن بريطانيا سوف تستفيد من تعمير منطقة سيناء الصحراوية القاحلة وسوف تكسب ولاء ودعم العشرة ملايين يهودى المنتشرين فى أرجاء العالم، والذين سوف يعملون دوما من أجل قوة بريطانيا ورفعتها.
وافق تشامبرلين على الفكرة، بشرط موافقة اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى فى مصر. تحرك هرتزل بسرعة وطلب من عضو مجلس العموم البريطانى والناشط الصهيونى ليوبولد جرنبرج القيام بزيارة استطلاعية لمصر والتعرف على رأى اللورد كرومر والحكومة المصرية بهذا الشأن. فسافر على الفور وعاد إلى هرتزل فى نوفمبر من نفس العام بنتائج إيجابية عن زيارته. ودعم تقريره بخطاب من وزير الخارجية البريطانى اللورد هنرى لانسدوان أكد فيه موافقة اللورد كرومر، وأنه بناء على ذلك من الضرورى على المُنظمة الصهيونية أن تقوم بتشكيل لجنة خبراء لزيارة سيناء وإعداد تقرير عن الجوانب الفنية الخاصة بالمشروع وإمكانية تنفيذه.
قام هرتزل بتشكيل هذه اللجنة التى تكونت من عدد من المهندسين فى مجال الإنشاءات والجيولوجيا والرى والزراعة والموانئ، بهدف دراسة وتحديد أكثر المناطق ملاءمة لإقامة المستوطنة اليهودية. ومن الجدير بالذكر، أنه انضم للجنة لاحقًا المهندس المعمارى السير بنجامين بيكر الذى كان من المشاركين فى تصميم وبناء خزان أسوان.
قدمت اللجنة إلى مصر وبدأت أعمالها فى فبراير 1903، وكان أكبر مشكلة واجهتها هى توفير المياه فى منطقة العريش، واقترحت بصفة مبدئية إحياء فرع قديم للنيل كان يُطلق عليه بيلوسياك ويصل سيناء عن طريق مدينة القنطرة، ولكنه رُدم من زمن بعيد.
تضمن تقرير اللجنة أنها حصلت على موافقة وزير الخارجية بطرس غالى، ولكن ذلك لم يكُن صحيحًا فقد لاحظ هرتزل أن لُغة خِطابه المُرفق كان غامضًا وتعهدات الحكومة المصرية فيه لم تكن واضحة. وزاد من شكوكه أن رئيس اللجنة اتصل باللورد روتشيلد لإبلاغه بمضمون الخطاب والظروف التى أحاطت به وحجب هذه المعلومات عن هرتزل.
لذلك، قرر هرتزل أن يسافر بنفسه إلى مصر لحسم الموضوع مع اللورد كرومر والحكومة المصرية، فقدم فى مارس والتقى اللورد الذى أخبره أن الموضوع معلق لحين التأكُد من وجود مصادر كافية من المياه، وكان رد هرتزل بأن هناك وفرة منها فى النيل يمكن توجيهها إلى سيناء وأن حفر هذا الفرع سوف يوفر فرص عمل لأعداد كبيرة من المصريين. لم يقتنع كرومر بذلك، وعلق موافقته على رأى السير وليام جارستين وكيل وزارة الأشغال العامة المصرية، واتخذ بطرس غالى نفس موقف كرومر. انتهت اللجنة الفنية من أعمالها فى شهر أبريل ورفعت تقريرها إلى اللورد كرومر الذى تضمن عدة اقتراحات بشأن مصادر المياه الممكنة. ولكن موافقة كرومر والحكومة المصرية ظلت مُعلقة على رأى وكيل وزارة الأشغال الذى كان وقت زيارة هرتزل فى رحلة لتفقُد أعالى النيل. وعقب عودته فى مايو 1903، وعرض الموضوع عليه اعترض على أساس أن تقديرات اللجنة للاحتياجات المائية خاطئة، وأنها أقل من الواقع بكثير، وأن المياه المُتاحة لا تُوفى بهذه الاحتياجات، فرفضت الحكومة المصرية المشروع.
علق هرتزل على القرار المصرى فكتب أخفق مشروع سيناء ويرجع الفضل فى ذلك إلى اللورد كرومر وبُطرس غالى باشا. ولكِن الفِكرة لم تمُت وقامت إسرائيل فى السبعينيات بإنشاء مُستوطنة ياميت أملًا فى استمرار وجودها البشرى فى سيناء وهو ما رفضته مِصرُ فقام الإسرائيليون بتدميرها وإخلائها عام 1982.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية