تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مُفيد شهاب كما أعرفه
فى هذا الشهر يحل تاريخ مولد د.مفيد شهاب، الذى التقيته لأول مرة فى عام 1965، كان هو وقتها عائدًا لتوه من فرنسا بعد حصوله على درجة الدكتوراه فى القانون الدولى العام من جامعة السوربون، وعُين مُدرسًا بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وكان ذلك عقب تخرجى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى يونيو 1964 وتعيينى مُعيدًا بها، وتشاركنا فى عضوية اللجنة التحضيرية لمنظمة الشباب. وفى الستين عاما التالية، كان الرجل نموذجًا لشخصية مُتعددة الجوانب جمعت فى ثناياها بين القانون والسياسة، وبين العمل الأكاديمى والممارسة العملية. وخلال هذه المسيرة، لم تنقطع صلتى به، وتعددت المُناسبات التى جمعتنا فى أعمال مُشتركة.
نشأ الرجل فى بيئة حاضنة للعلم والمعرفة، كان والده من رجال التعليم فغرس فيه حب القراءة والتطلع إلى المعرفة والتحق بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية التى تتلمذ فيها على أيدى مجموعة من الأساتذة العِظام، كان منهم د. إسماعيل صبرى عبد الله فى الاقتصاد، ود. حسن كيرة فى القانون المدني، وفتحت محاضراتهم له آفاقًا واسعة تجاوزت القانون لتشمل التاريخ والسياسة والفلسفة. وسمحت إجادته للغة الفرنسية التى تعلمها فى مدرسة سان جورج، بالإبحار فى عوالم أرحب، وهو ما استمر خلال سنوات بعثته الدراسية، ولكنه حافظ دومًا على الجمع بين الثقافتين العربية والفرنسية.
تعلم من دراسة القانون، الدقة فى استخدام الألفاظ، والانضباط فى الإشارة إلى المعاني، والانتقال المنطقى من فكرة لأخرى، بحيث تنبنى كل منها على سابقتها. وأوضح هذا المعنى فى كلمة له أمام الاجتماع السنوى لمجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 2002، والتى ورد فيها أن «اللغة الدقيقة والواضحة هى عنوان المجتمع المتقدم، وليس الاستخدام السيئ لها سوى علامة على الجهل والتخلف».
كان الشاب فى سن السادسة عشرة عندما قامت ثورة 1952. وكشأن الكثير من أبناء جيله، نمت إدراكاته الوطنية والقومية ارتباطا بالأحداث الكبرى التى شهدتها مصر والمنطقة العربية فى حقبة الخمسينيات، وأثرت على تكوينه الفكرى وتقديره لدور الأستاذ الجامعى فى خدمة وطنه. لذلك، كان من الطبيعى أن تجمع مسيرة د. شهاب بين التدريس والتأليف والبحث العلمى من ناحية، وبين المُشاركة فى العمل العام التنفيذى والبرلمانى والسياسى من ناحية أُخرى. ففى المجال الأكاديمي، كان أستاذا مبرزا فى كلية الحقوق، ورئيسا لجامعة القاهرة، ومُؤلِفا لعدد من الكُتب العُمدة فى مجال القانون الدولى والتنظيم الدولى والإقليمي. وفى المجال المهني، كان مُحاميًا بارعًا فى النزاعات الحدودية بين الدول، فترافع لصالح دولة البحرين فى نزاعها بشأن جزر حوار مع قطر، ولصالح دولة اليمن فى نزاعها بشأن جزر حنيش مع إريتريا. وفى الحالتين، صدر الحُكم لصالح الطرف الذى مثله د.شهاب. وفى مجال العمل العام، عمل وزيرًا للتعليم العالى والبحث العلمي، ووزير دولة للشئون القانونية والمجالس النيابية، وعُضوًا بمجلس الشورى.
وبحُكم التكوين والثقافة، فإنه عروبى الاتجاه، يؤمن بأن مصر جُزء من الأمة العربية، وبأولوية التوجه العربى فى سياسة مصر الخارجية، فشارك بإلقاء المحاضرات وحضور المؤتمرات العلمية فى عديد من الجامعات العربية، وكلفه الرئيس الراحل حُسنى مُبارك برئاسة وفد مصر فى مؤتمرى القمة العربية فى دمشق 2008، وفى الدوحة 2009.
وفى التسعينيات، تطورت علاقة عمل وثيقة بينى وبين الدكتور شهاب. ففى هذا الوقت، تولى هو رئاسة جامعة القاهرة، وكُنت أنا عميدًا لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية. شهدت هذه الفترة أحداثًا صعبة فى الجامعة، فعلى مدى سنوات سابقة، تصاعد نفوذ جماعات الإسلام السياسى التى فرضت وصايتها على الأنشطة الاجتماعية بالجامعة، فتوقفت حفلات الغناء والتمثيل إلا فى أضيق الحدود، وكان أنصار هذه الجماعات يتدخلون لاستبعاد بعض العناوين من معارض الكُتب التى كانت الكُليات تنظمها لإشاعة الثقافة بين الطلاب، وأذكر أن أحد الأسماء المُحرمة وقتذاك هى قصص الأستاذ إحسان عبدالقدوس، وبعض روايات نجيب محفوظ.
وعندما عُين د. شهاب رئيسًا للجامعة فى عام 1993، قرر مواجهة هذه الجماعات بإحياء الأنشطة الاجتماعية والغنائية والمسرحية، ونظم موسمًا ثقافيًا تضمن عددًا من المُحاضرات والندوات، وفتح أبواب القاعة الكبرى بمبنى الجامعة لاستضافة هذه الأنشطة، ودعا عُمداء الكليات إلى تشجيع طُلابهم للمُشاركة فيها، وتنظيم أنشطة مُشابهة فى كلياتهم. وكانت كلية الاقتصاد سباقة فى هذا الأمر، فشهدت عشرات المُحاضرات والندوات التى شارك فيها المسئولون وأساتذة وباحثون من مُختلف التوجهات السياسية، وكان رئيس الجامعة مُدعمًا لهذه الأنشطة ومشاركًا فى بعضها.
ترك د. شهاب الجامعة فى عام 1997 ليُصبح وزيرًا للتعليم العالي، وتركتها فى عام 1999 لأكون وزيرًا للشباب، فتزاملنا لسنوات فى مجلس الوزراء. وشهدت هذه الفترة، ازديادًا فى برامج التعاون بين الوزارتين لتنظيم الأنشطة الشبابية والرياضية لطلاب الجامعات. ولا بد أن يتوقف الإنسان أمام عُضوية د. شهاب فى هيئة الدفاع عن حقوق مصر فى طابا أمام محكمة التحكيم الدولي. تجدر الإشارة هنا، إلى أنه فى هذه الفترة كان خارج البلاد يعمل فى الكويت مستشارا للصندوق العربى للإنماء الاقتصادي. وتم استدعاؤه من هناك للمشاركة فى هذه المهمة الوطنية، وكان أحد الخمسة الذين ترافعوا أمام المحكمة، وهم د. أحمد صادق القشيري، ود.جورج أبى صعب، ود. محمد طلعت الغنيمي، ود.صلاح عامر، وخصصت المحكمة لكل منهم مدة ساعة للترافع وعرض حججه وأسانيده. ورغم تعدد المناصب والأعمال التى تقلدها وقام بها د.مُفيد، فقد كانت التسمية التى يعتز ويسعد بها هي «مفيد شهاب عضو هيئة الدفاع عن طابا المصرية».
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية