تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

مصر وغزة فى 28 فبراير 1955

ما أشبه الليلة بالبارحة. ورغم اختلاف السياق والزمان، فإن ما يحدث اليوم فى غزة يُعيد إلى الذهن ذكريات أحداث وقعت من سبعين سنة، وهى أحداث تشير إلى العلاقات المتشابكة بثورة 1952 وقطاع غزة الذى كان تحت الإدارة المصرية، وسياسات وزير الخارجية الأمريكى دالاس، والاعتداءات الإسرائيلية على أهالى القطاع وصولا إلى الهجوم على أحد معسكرات الجيش المصرى فى 28 فبراير 1955، وهى الحادثة التى أعقبها تحولات عميقة فى مسار السياسة المصرية.

فى عام 1947، لم يكن عدد سكان قطاع غزة يتجاوز ثمانين ألفا، زادوا فى العام التالى إلى أكثر من 200 ألف بسبب الفلسطينيين الذين أجبرتهم التنظيمات الصهيونية والقوات الإسرائيلية على مغادرة مساكنهم وأراضيهم، فقدموا إلى غزة وسكنوا فى مخيمات. وكان من الطبيعى فى هذه الظروف، أن يتسلل بعض الشباب الفلسطينى عبر الحدود للقيام بأعمال فدائية داخل إسرائيل، ووجدوا سندا لهم فى شخص الضابط المصري، البكباشى مصطفى حافظ، الذى دربهم وسهل لهم القيام بهذه العمليات. فى المقابل، قامت القوات الإسرائيلية بالهجوم على مخيمات الفلسطينيين بذريعة الرد على «المتسللين»، وأيضا لإضعاف إرادتهم وإجبارهم على المغادرة، وإعادة التوطين فى أماكن أخرى.

فى هذا الوقت، كان القادة الجدد فى مصر يتفاوضون مع بريطانيالإنهاء الاحتلال، وسعوا لكسب التأييد الأمريكي، وتم توقيع اتفاقية الجلاء فى 19 أكتوبر 1954.فى نفس العام، ازداد اهتمام واشنطن بقضايا المنطقة، فدعت مصر للمشاركة فى إقامة حلف للدفاع عن الشرق الأوسط ضد الشيوعية، كما طرحت مشروعا للسلام بين مصر وإسرائيل.

ومن جانبها، عملت إسرائيل على إفشال المفاوضات المصرية البريطانية، وإفساد العلاقة بين القاهرة وأمريكا وبريطانيا. فنفذ جهاز الموساد الإسرائيلى عملية سوزانا، التى تضمنت قيام شبكة من الجواسيس بأعمال تخريب لعدد من الأهداف الأمريكية والبريطانية والمصرية،لإثبات أن النظام الجديد غير قادر على توفير الأمن والاستقرار، ولإقناع لندن وواشنطن بخطورة جلاء القوات البريطانية عن مصر. تم القبض على أعضاء الشبكة، وكانت فضيحة لإسرائيل عرفت باسم فضيحة لافون وزير الدفاع وقتذاك، مما دفعه للاستقالة.

تلاحقت الأحداث فى عام 1955. وفى 28 فبراير،قامت القوات الإسرائيلية بانتهاك خطوط الهدنة مع مصر وشن هجوم عنيف على معسكر للجيش المصرى فى مدينة غزة، أسفر عن عدد كبير من الشهداء والمصابين، وأثار ذلك غضبا واسعا فى أوساط الجيش والشعب المصري.

مثلت هذه الحادثة نقطة تحول فى تفكير عبدالناصر ومسار الثورة المصرية. فقد كان أحدأسباب تحرك الجيش فى يوليو 1952، الهزيمة العسكرية فى فلسطين وما تردد وقتها عن فساد قيادة الجيش وسوء إدارتها، فكان أحد أهداف الثورة «إقامة جيش وطنى قوي».وازداد شعور عبدالناصر بخطر إسرائيل، وضرورة أن تكون «القوة مقابل القوة». فتوسع مصطفى حافظ فى تدريب وتنظيم وحدات الفدائيين الفلسطينيين الذين أدت عملياتهم إلى إشاعة الخوف وعدم الأمن بين الإسرائيليين.

وعلى التوازي، أعاد عبدالناصر التفكير فى مسار مفاوضات شراء السلاح من الدول الغربية، الذى يعود إلى أبريل 1947، عندما أرسلت حكومة النقراشى باشا اللواء إبراهيم عطا الله رئيس أركان حرب الجيش إلى واشنطن،للتفاوض بشأن طلب معونة عسكرية وفنية، وأعقب ذلك فى سبتمبر زيارة النقراشى نفسه، ولكن الطلب قوبل بالرفض.

وفى مارس 1949، طلبت الحكومة المصرية من بريطانيا – وهى الدولة الحليفة بمقتضى معاهدة 1936 -تزويد جيشها بطائرات مقاتلة ومعدات وقطع غيار عسكرية، فاتصلت بشركةهوكيرز سيدلى لبناء مصنع طائرات برأس مال مصرى صرف، وبشركة وولوورث لإنشاء مصنع لإنتاج الذخائر والقنابل اليدوية والبنادق، وكان الرد البريطانى هو المماطلة والتسويف.

فى عام 1953، أعادت مصر مطالبها لدى واشنطن ولندن، مؤكدة أنها لا تسعى إلى الحرب وإنما تركز جهودها على التنمية، وأن هدفها من السلاح هو تحسين أوضاع الجيش المصري. كانت الحجة الغربية لرفض تزويد مصر بالسلاح، البيان الثلاثى الذى أصدرته أمريكا وبريطانيا وفرنسا فى عام 1950 بحظر بيع الأسلحة لدول الشرق الأوسط. ولكن الحقيقة، أن هذا الحظر لم يطبق بالنسبة لإسرائيل التى زودتها فرنسا بكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، علاوة على الطائرات المتطورة. لم يكن من المتصور أن تقبل مصر أن يستمر هذا الوضع على حساب جيشها، وكان على قادتها البحث عن مصدر جديد للسلاح.

وجد عبدالناصر ضالته خلال لقائه برئيس الوزراء الصيني،تشوانلاي، فى أبريل 1955، عندما التقاه فى مؤتمر الدول الآسيوية والإفريقية الذى استضافته إندونيسيا فى باندونج. فعندما سأله عبدالناصر عما إذا كان يمكن لمصر أن تشترى السلاح من الصين، أجابه بأن الصين تعتمد فى سلاحها على الاتحاد السوفيتي، وأنه سوف يتواصل مع موسكو بشأن رغبة مصر فى شراء السلاح.

بعدها بأيام قليلة، أبلغ السفير السوفيتى بالقاهرة المسئولين المصريين بموافقة موسكو على بيع السلاح. تعمد عبدالناصر أن يصل هذا الخبر إلى واشنطن، على أمل أن تغير موقفها وتبيع السلاح لمصر، ولكن دالاس لم يصدق واعتبرها محاولة لابتزاز بلاده. وفى يوليو، تم توقيع الاتفاقية سرا فى القاهرة، وتم الاتفاق على تسمية الصفقة بالتشيكية للتخفيف من رد فعل الغرب المعادى لنمو العلاقات بين القاهرة وموسكو.

فى صباح يوم 27 سبتمبر 1955، قرر عبدالناصر إعلان هذه الصفقة، وطلب من سكرتيره البحث عن أى مناسبة عامة لحضورها، فلم يجد سوى معرض صور تقيمه إدارة الشئون العامة بالقوات المسلحة بالجزيرة. ومن هذا المكان، أعلن عبدالناصر إبرام صفقة الأسلحة التشيكية التى كان من شأنها تغيير الموازين الدولية والإقليمية.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية