تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

مصر فى الذاكرة الإسرائيلية

تدهورت العلاقات بين مصر وإسرائيل عقب عدوانها على غزة، وتعطيلها وصول المعونات الإغاثية إلى المدنيين، ثم ازدادت تدهورا مع تحرك القوات الإسرائيلية لاقتحام مدينة رفح الفلسطينية والسيطرة على ممر فيلادلفيا، وعلى المدخل الفلسطينى لمعبر رفح، وصولا إلى استشهاد جندى مصرى فى هذه المنطقة. يثير هذا التطور، أهمية تحليل نظرة إسرائيل إلى مصر، وتصورها للعلاقات معها. والحقيقة، أن هذه النظرة مركبة ومعقدة، وتتكون من خليط من الاعتبارات التوراتية والجيوسياسية والعسكرية.

 

ففى تاريخ اليهود، تحتل مصر مكانة رئيسية كما ورد فى الكتب المقدسة لكل الأديان السماوية. فإليها قدم يوسف بن يعقوب عليه السلام طفلا عبدا، والذى كانت لديه القدرة على تفسير الأحلام وتولى خزائن مصر، واستدعى أهله وقبيلته من بنى إسرائيل لمصر، فعاشوا فيها لسنوات طويلة. وفيها، ولد موسى عليه السلام، وصولا إلى مشهد الخروج إلى صحراء سيناء حيث أنزل الله عليه التوراة. ولعلنا نتذكر ما قاله رئيس الوزراء مناحم بيجن خلال زيارته لمنطقة الجيزة، وإشارته إلى أن أجداده اليهود هم بُناة الأهرام، ووقتها تصدى له د. زاهى حواس ليفند هذه الادعاءات. تظهر مصر فى الذاكرة اليهودية مرة ثانية مع الحملة الفرنسية عام1798، والتى كان قائدها نابليون بونابرت يؤمن بضرورة عودة اليهود إلى أرض فلسطين، وذلك حسب معتقدات بعض الفرق المسيحية، فخطط بعد احتلاله مصر لغزو فلسطين تمهيدًا لتهجير يهود العالم إليها. وبالفعل، قام باحتلال غزة فى فبراير 1799، فالمدن الساحلية حتى وصل إلى يافا فى مارس، ولكن الحملة انهزمت على أبواب عكا.

وبعد تعثر المنظمة الصهيونية العالمية فى نهاية القرن التاسع عشر فى الحصول على رخصة بالاستيطان فى فلسطين، كان الحل عند رئيسها تيودور هرتزل هو إقامة مستوطنة صهيونية فى سيناء، والتقى اللورد جوزيف تشامبرلين وزير المستعمرات لاقناعه بالفكرة.

وفى 1903، تم إرسال بعثه خبراء لتفقد سيناء واختيار المكان الأمثل لإقامة المستوطنة، وقدمت تقريرا بمقترحاتها. وجدير بالتسجيل فى هذا الشأن، أنه لمواجهة ندرة المياه فى سيناء، اقترحت اللجنة مد فرع لنهر النيل يتصل بسيناء عند مدينة القنطرة، فيمر أسفل قناة السويس وينتهى ببحيرة البردويل.

وعندما ثارت شكوك حول موافقة الحكومة المصرية على هذا المشروع، سافر هرتزل إلى مصر، والتقى باللورد كرومر المندوب السامى البريطاني. كانت نقطة الخلاف هى مدى توافر المياه اللازمة لإقامة المستوطنة. فبينما زعم هرتزل وخبراء البعثة إمكانية توفير موارد مائية كافية، تشكك كرومر والحكومة المصرية فى ذلك، وانتهى حلم «مستوطنة سيناء» بتقرير السير وليام جارستين وكيل وزارة الرى المصرية، والذى لم يوافق على إنشاء المُستوطنة لعدم توافر المياه اللازمة.

ولكن انهيار هذا الحلم لم يمنع الحركة الصهيونية من العمل فى مصر، فأشار الأستاذ كامل زهيرى فى كتابه «النيل فى خطر» إلى محاولة بعض العائلات اليهودية المصرية إقامة مستوطنة صهيونية على ضفاف النيل فى كوم امبو بمحافظة أسوان.

ونشرت جريدة الأهرام بتاريخ 19 ديسمبر 1903 الخبر التالي، أن «المسيو سوارس والسير أرنست كاسل قد قاما بشراء قطعة من سهول كوم امبو (30 الف فدان) من الحكومة المصرية مقابل 20 قرشا للفدان ومقابل التمهيد لاستصلاحها ستسهل لهم الحكومة شراء باقى الأرض (100 الف فدان) بنفس السعر مع إعطائهم تسهيلات فى الحصول على رخص الرى مقابل 10 قروش للفدان، وحق انتفاع الأرض لمدة 99 عاما وتمنحهم الإعفاء من الضرائب فى الـ15 سنة الأولى، وقد علمنا من الثقاة الخبيرين أن هذا السهل سيكون بعد استصلاحه مستعمرة صهيونية إذ يؤتى لزراعته وإصلاحه بالفلاحين الإسرائيليين المعسرين كما فعل روتشلد فى فلسطين، وقد علمت جريدتنا انه قد تم انتداب بعض الإسرائيليين للقيام بالأعمال التمهيدية».

هذا هو الخبر الذى نشرته الجريدة، وتعليقها عليه. ولا توجد فيما أعلم معلومات موثقة عما تم فى هذا المشروع، ولكن الأمر المؤكد أنه لم يحدث استيطان يهودى فى هذه المنطقة. وبعد عقود، أقامت إسرائيل مستعمرة «ياميت» فى سيناء عام 1975، التى تمت تصفيتها فى 1982. تنظر إسرائيل إلى مصر، باعتبارها قوة عسكرية وسياسية إقليمية تتحسب لردود أفعالها. وعلى سبيل المثال، تشير الوثائق الخاصة بإقامة المفاعل الذرى ديمونا فى نهاية الخمسينيات، إلى اهتمام أجهزةالأمن والمخابرات الإسرائيلية بمعرفة ردود الفعل المصرية، واحتمال اتخاذالرئيس عبدالناصر القرار ببدء برنامج نووى عسكري. أو ما حدث يوم الثامن من أكتوبر عام 1973، عندما طلب وزير الدفاع موشى ديان من رئيسة الوزراء جولدا مائير، استخدام السلاح النووى ضد مصر، وذلك بعد الانهيارات المتتالية للجيش الإسرائيلى فى حرب 1973. وقعت إسرائيل اتفاقية السلام مع مصر فى عام 1979، وعلى مدى ما يزيد على أربعين سنة، استقرت قواعد لإدارة العلاقات بين البلدين وفقا لبنود الاتفاقية والأساليب التى حددتها لحل الأزمات بين البلدين، كاللجنة العسكرية المشتركة. وبرغم التصريحات الاستفزازية من جانب بعض الوزراء الإسرائيليين، فقد أكد رئيس الوزراء نيتانياهو وقادة الأجهزة الأمنية حرصهم على علاقات السلام مع مصر.

يؤكد ذلك، أنه عقب استشهاد جندى مصرى فى تبادل لإطلاق النار عبر معبر رفح، الأمر الذى أثار غضبا عارما لدى كل المصريين على اختلاف مواقعهم وتوجهاتهم، نشرت جريدة «يديعوت أحرونوت» بتاريخ 28 مايو ٢٠٢٤ أنه «تجرى محادثات هادئة بين جهات إسرائيلية رفيعة المستوى وجهات مصرية»، وأن الرقابة الإسرائيلية طلبت من الإعلام «الامتناع عن نشر معلومات تثير غضب الطرف الثاني»، وذلك حتى يمكن التحقيق فى ملابسات ما حدث فى جو بعيد عن الانفعالات.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية