تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مستقبل التوازن الدولى فى الشرق الأوسط
إذا كان من المؤكد أن الحرب الإسرائيلية/الأمريكية على إيران التى استمرت من 13 إلى 24 يونيو 2025، وما سبقها من تطورات فى فلسطين ولبنان وسوريا، سوف تعيد تشكيل الشرق الأوسط وتوازن القوى فيه، فإنها من الأرجح أيضا أن تؤدى إلى تغير أدوار القوى الدولية الكبرى فى المنطقة، والنظرة للعلاقة معها.
أكدت هذه التطورات الدور السياسى والعسكرى الحاسم لأمريكا فى المنطقة، وأنها مازالت اللاعب الاستراتيجى الأول فيها، وتعطى تصريحات الرئيس ترامب الشعور بأن بلاده خرجت من هذه الحرب أكثر قوة، من حيث قدرتها على دعم الحلفاء والشركاء، والهجوم على الخصوم والأعداء. فقد شاركت بشكل غير مباشر فى دعم إسرائيل بالسلاح والحماية الدبلوماسية، وبشكل مباشر فى هجوم 22 يونيو على إيران. ومن الأرجح، أن يستمر الانتشار العسكرى الأمريكى فى المنطقة خلال الشهور المقبلة من هذا العام، كقوة ردع، وإلى حين الاتفاق بشأن القضايا المعلقة بين واشنطن وطهران. كما سوف تسعى للاستفادة الاقتصادية والمالية من هذا الوضع فى شكل استثمارات أمريكية أو بيع سلاح.
سوف تسعى واشنطن إلى تعزيز مكاسبها السياسية من هذا الوضع، إما بوضع شروط أشد على إيران وفرض المزيد من العقوبات عليها أو البحث عن مخرج لإيران يحقق أهداف واشنطن بينما يحفظ لطهران ماء وجهها. وذلك، من خلال مجموعة من الحوافز الاقتصادية ورفع العقوبات التى أثقلت كاهل الاقتصاد والمجتمع فى إيران، وأن تستعين فى هذا الجهد بحلفائها الأوروبيين وشركائها فى المنطقة.
سوف تسعى أيضًا لإغراء بعض الدول العربية بتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل وعلى رأسها سوريا ولبنان. وكل ذلك بهدف خدمة مصالحها الاستراتيجية الكونية، ودعم مركزها، واستمرار موقعها فى النظام الدولي.
وفى المُقابل، اقتصرت روسيا على إدانة الهجوم العسكرى الإسرائيلي/ الأمريكى على إيران، ووصفته بالعدوان غير المبرر، وإعلان الاستعداد للوساطة، ولكن دون تقديم دعم عسكرى أو طرح مبادرة دبلوماسية محددة. ربما يكون ذلك، بسبب انشغالها فى الحرب مع أوكرانيا، وأن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة التى وقعتها مع إيران فى يناير 2025 لا تتضمن بندا عن الأمن الجماعى أو الدفاع المشترك.
ومن الأرجح، أن روسيا سوف تستمر فى عدم التورط فى الصراعات العسكرية بالمنطقة، وتحرص على استمرار قواعدها العسكرية فى حميميم وطرطوس بسوريا، وتنسيق تحركاتها مع إسرائيل فيها لعدم وقوع مواجهة غير مقصودة.
استفادت روسيا لعدة أيام من ارتفاع أسعار النفط، بحكم اعتماد صادراتها عليه. وسوف تستمر موسكو فى سياسة التعاون الاقتصادى مع كل دول المنطقة، بغض النظر عن نظام الحكم فيها وتوجهات سياساتها الخارجية، وفى عدم إيجاد أى مواقف تؤدى إلى صدام مباشر مع الولايات المتحدة.
ولابد أن هناك شعورا واسعا بالاستياء فى إيران من الموقف الروسي، وربما يمتد هذا الاستياء إلى بعض قطاعات المثقفين بين شعوب المنطقة. قد يدفع ذلك موسكو للعمل على استعادة مصداقيتها الإقليمية، وتوجيه مزيد من الاستثمارات الاقتصادية إلى إيران.
انتهجت بكين سلوكا مماثلا لموسكو، فأدانت الهجوم الإسرائيلي/الأمريكى على إيران، معتبرة إياه انتهاكا لسيادتها الوطنية، ودعت إلى ضبط النفس ووقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات والحوار. اتسق سلوكها هذا بنهجها الاستراتيجى فى عدم التدخل فى الصراعات المسلحة فى المنطقة، وضمان تدفق الطاقة من الخليج، والحفاظ على تجارتها مع جميع الدول، فدعت الأطراف المُختلفة إلى حل خلافاتهم بالطرق السلمية. والأرجح، أن يشعر الإيرانيون بخيبة أمل فى الصين، باعتبارها حليفا قويا ترتبط معه بعلاقات اقتصادية وعسكرية وثيقة، وباتفاقية شراكة استراتيجية شاملة لمُدة 25 عامًا منذ مارس 2021. وهو ما قد يدعو بكين إلى زيادة تعاونها الاقتصادى واستثماراتها فى طهران، والمشاركة فى إعادة إعمار البنية التحتية التى تم تدميرها، أو إلحاق أضرار جسيمة بها.
و ظل دور الاتحاد الأوروبى هامشيا خلال فترة الحرب، وهو ما وصفه تركى الفيصل رئيس المخابرات السعودية وسفير بلاده لدى واشنطن سابقا بتعبير «الجُبن الأوروبي».
أصدر الاتحاد بيانات خافتة الصوت دعت إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، والتحذير من أن تنزلق المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة، دون القيام بأى مبادرة جادة، وعدم اتخاذ قرار بشأن انتهاك إسرائيل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد، مما جعله أقرب إلى السير فى سياق السياسة الأمريكية والتماهى معها.
سوف يعود دور الثلاثى الأوروبى بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى القيام بدور دبلوماسى بشأن البرنامج النووى الإيراني. ولكن من الأرجح، مع استمرار غياب رؤية مشتركة لدول الاتحاد الأوروبى تجاه الشرق الأوسط، أن دوره سوف يظل محدودا مقارنة بالقوى الكبرى الأخرى فيما عدا مجال المساعدات الإنسانية.
يوضح هذا التحليل، أن الولايات المتحدة هى القوة الوحيدة التى تمتلك إرادة استخدام القوة المسلحة فى الشرق الأوسط، حماية لإسرائيل. وانه عندما شاركت بعض الدول الأوروبية فى عمليات مشتركة ضد الحوثيين فى اليمن، فقد كان ذلك بقيادة أمريكية، هذا فى الوقت الذى اقتصر دور الصين وروسيا والاتحاد الأوروبى على إصدار البيانات السياسية والتصريحات الصحفية، وتجنب كل ما من شأنه أن يقود إلى مواجهة عسكرية مع واشنطن.
سوف يسعى ترامب إلى استثمار هذه اللحظة التاريخية للوصول إلى حل مع إيران ووقف إطلاق النار فى غزة لمدة ستين يوما تُجرى خلالها مفاوضات بين إسرائيل وحماس بوساطة أمريكية وعربية. وربما، الانتقال بعد ذلك إلى الحروب الأخرى بالمنطقة لإنهائها فى إطار الرؤية الأمريكية للاستقرار والأمن فى الشرق الأوسط.
ينبنى هذا التحليل على افتراض استمرار المعطيات الإقليمية والدولية الراهنة، فهل يُمكن أن يحدث ما يؤدى إلى تغييرها؟
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية