تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ماذا يريد نيتانياهو؟
يدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نيتانياهو، أن ما حدث فى 7 أكتوبر 2023 وضع نهاية لحياته السياسية الطويلة، فقد تولى منصبه لأطول مدة فى تاريخ رؤساء وزراء إسرائيل وهى خمسة عشر عاما وعدة أشهر. ويدرك أيضا، أنه بمجرد وقف الأعمال القتالية، فإن التحقيق سوف يبدأ معه ومع كبار رجال الحكم والجيش والمخابرات عن مسئوليتهم فى التقصير الفادح فى صباح السابع من أكتوبر، وهو ما أقره فى أول مؤتمر صحفى عقده فى 28 أكتوبر بأن «هناك إخفاقا فظيعا» وأن التحقيق سوف يشمل الجميع. فماذا يريد الرجل الآن؟
ينتمى نيتانياهو تاريخيا إلى فريق اليمين الإسرائيلي، وانتخب رئيسا لحزب الليكود فى عام 1993، وأصبح رئيسا للوزراء لأول مرة فى عام 1996، وكان أصغر من تولى هذا المنصب سنا وأول من تولاه من المولودين فى إسرائيل.
عبر هذه المسيرة، تبنى نيتانياهو المواقف الأكثر إنكارا للحقوق الفلسطينية، والداعية لاستخدام القوة فى التعامل مع الفلسطينيين. فكان من المنتقدين لاتفاقية أوسلو المُوقع عليها فى 13 سبتمبر 1993، ووصفها بالكارثة والخطأ الأكبر، وشن هجوما شديدا ضد رئيس الوزراء إسحاق رابين لموافقته على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وقيام الحكم الذاتى الفلسطيني. وقاد مظاهرات من أنصار اليمين رفعت شعارات، رابين خائن ورابين قاتل. ووصفه فى إحدى المناسبات، بأنه خطر على إسرائيل، وحرض الرأى العام ضده مما أدى فى نهاية الأمر إلى اغتيال رابين فى نوفمبر 1995.
وما زال نيتانياهو يتباهى بدوره فى منع قيام دولة فلسطينية، فكان متشددا فى مفاوضات واى ويفر التى تمت مع ياسر عرفات بحضور وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت. واستقال من وزارة أرئيل شارون فى عام 2005، احتجاجا على تبنيها خطة فك الارتباط مع غزة، والتى بمقتضاها تمت تصفية المستوطنات الإسرائيلية من القطاع وانسحاب القوات الإسرائيلية منه، والذى اضطرت له إسرائيل بعد فشل معركة أيام الغضب التى هدفت إلى وقف إطلاق الصواريخ من القطاع. عارض أيضًا وقف إطلاق النار مع حماس فى حرب 2008، وكان وقتذاك زعيمًا للمُعارضة فى البرلمان.
ومنذ السابع من أكتوبر، تحدث نيتانياهو كثيرا عن أهداف الحرب التى يقودها ضد غزة. وحدد أهدافه فى هزيمة حماس وتدمير البنية التحتية لها، والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، والحيلولة دون تكرار ما حدث مرة أخرى. وتراوحت التعبيرات التى استخدمها للإشارة إلى هذه الأهداف من وقت لآخر. ولكن المدقق فى تطور العمليات العسكرية التى يشنها الجيش الإسرائيلى والطريقة التى تدار بها المعارك، أو التعامل مع الفلسطينيين يتلمس أهدافًا أخرى، لعل أبرزها الانتقام ليس فقط من حماس بل من كل الفلسطينيين كعقاب جماعى لهم.
فقد كان هجوم 7 أكتوبر على مستوطنات غلاف غزة، صفعة على وجوه قادة الحكومة والجيش والمخابرات، وضربة للثقة الزائدة التى عاشوا فيها واعتقادهم بأن الإجراءات الأمنية والتكنولوجية التى اتبعوها تمنع بالضرورة مثل هذا الهجوم.ومن هذه الزاوية، فالحرب هى «تبييض» لوجه هؤلاء القادة، وفى مقدمتهم نيتانياهو، ومحاولة لإبراء ذمتهم وأنهم انتقموا مما حدث فى هذا اليوم، وفرضوا على من قاموا به من حماس ومن الفلسطينيين عموما ثمنا باهظا أملًا فى تخفيف العقاب السياسى والقانوني. وإضافة إلى ذلك، جاءت مواقف نيتانياهو تجاه ما يحدث فى غزة الآن، متسقة مع تاريخه. فأكد أنه لن يكرر خطأ أوسلو، وأن غزة لن تكون حماسستان ولا فتحستان. مما يعنى رفض وجود سلطة فلسطينية مستقلة سواء فى غزة أو الضفة الغربية، والسعى للسيطرة الأمنية على كل الأراضى الفلسطينية، إما بعودة الاحتلال العسكرى المباشر أو بغيره من الطرق.
لا يستطيع نيتانياهو الوصول إلى حل وسط مع الفلسطينيين، أو القبول بوجود دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، وهو ما تجلى فى تمرير قانون القومية اليهودية فى 2017، الذى أصبح جزءا من القانون الأساسى للدولة،ونصت مادته الأولى بند «أ» على أن أرض إسرائيل هى الوطن التاريخى للشعب اليهودي، وبند «ب» على أن دولة إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودي، والبند «ج» على أن ممارسة حق تقرير المصير فى دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي. ووفقا للمادة السابعة، فإنها «تعتبر الدولة تطوير الاستيطان اليهودى قيمة قومية، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته».
والنتائج المترتبة على ذلك واضحة، فاليمين الإسرائيلى لا يعترف بالحقوق القومية للفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ولا يعتبرهم مواطنين كاملى الأهلية. وفى نفس الوقت يرفض إقامة دولة فلسطينية فى الأراضى المحتلة عام 1967، ويجعل إقامة هذه الدولة مُستحيلًا من خلال تنشيط إقامة المستوطنات فى الضفة الغربية، واقتراح إنشاء مناطق عازلة فى غزة، ورفض إدارة منظمة التحرير لها مستقبلا. ولذلك، ظلت فكرة التهجير القسرى إلى مصر والأردن، وتوفير فرص الهجرة الطوعية إلى دول العالم هدفا لأنصار اليمين.فى هذا السياق، يعتقد نيتانياهو أن اللغة الوحيدة التى يفهمها الفلسطينيون هى القوة العسكرية لفرض الإخضاع والاستسلام والترويع لقبول ما تفرضه عليهم إسرائيل من شروط. ماذا سوف يبقى من نيتانياهو؟ سوف يبقى أنه رئيس الوزراء الذى تسببت سياساته فى أكبر شرخ فى المجتمع الإسرائيلى خصوصا بشأن ما سُمى بالإصلاحات القضائية، وأن ممارسات حكومته قادت إلى الكارثة التى وقعت فى 2023. ويبقى أيضًا أنه رئيس الوزراء الذى وجه النائب العام له فى عام 2019 اتهامات الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. ويبقي، أخيرًا، منه عنوان افتتاحية جريدة هآرتس بتاريخ 25 ديسمبر 2023يجب أن يرحل الآن، حتى فى زمن الحرب.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية