تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

لماذا فاز ترامب؟

حقق الحزب الجمهورى بقيادة دونالد ترامب انتصارًا واضحًا فى الانتخابات الأمريكية لعام 2024، فلم يقتصر على الفوز بمنصب الرئيس، بل حصل على عددٍ من أصوات الناخبين يفوق ما حصلت عليه منافسته هاريس بخمسة ملايين صوت، وحقق الأغلبية فى مجلسى الشيوخ والنواب، وفاز بعدد 8 من أصل 11 فى انتخابات حُكام الولايات.

فكيف استطاع ترامب أن يفعل ذلك؟ تمكن ترامب من ذلك بحُكم خبرته السياسية التى اكتسبها على مدى سنوات طويلة، وكان أحدثها توليه الرئاسة خلال الفترة 2017-2021، فلم يُلزم نفسه فى خطاباته وتصريحاته بأمور محددة. ورداً على سؤال بشأن خططه الاقتصادية فى المناظرة الرئاسية مثلاً، أجاب بأنه عندما يصل إلى الحكم سوف يحدد هذه الخطط واكتفى بعرض الأهداف العامة كإعادة عظمة أمريكا. كما تحدث بنفس اللغة العمومية مع الأمريكيين من أصول عرقية مختلفة. فركز فى حديثه مع ممثلى اليهود على حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها والدعم الأمريكى لها، ومع ممثلى الجاليات العربية والإسلامية على أنه سوف يُركز على وقف الحرب فى الشرق الأوسط.

استفاد ترامب أيضاً من دروس خسارته أمام بايدن، ففى ولاية بنسلفانيا أدرك أن سُكان المُدن الكبيرة كفيلادلفيا وبيتسبرج لن تُغير من تصويتها لمُرشح الحزب الديمُقراطى ومن ثَم لم يركز عليها. وإنما كثف زياراته للضواحى والمُدن الصغيرة، ونجح فى كسب تأييدها. وتوفر لترامب أيضًا الوقت الكافى للإعداد لحملته الانتخابية منذ مُغادرته البيت الأبيض وذلك مُقارنة بهاريس التى بدأت حملتها فى 21 يوليو 2024 بعد انسحاب الرئيس بايدن من سباق الرئاسة، أى تحديداً قُبيل تاريخ الانتخابات بـ 107 أيام. ولم تُتِح هذه المُدة لها المساحة الكافية لطرح نفسها كشخصية سياسية مُستقلة بعيدة عن ظل بايدن. أضف إلى ذلك أن هاريس قضت الجُزء الأكبر من عملها كمحامية، وتولت منصب المُدعى العام فى ولاية كاليفورنيا حتى انتخابها فى مجلس الشيوخ فى عام 2017، واختيار بايدن لها كنائبة للرئيس فى انتخابات عام 2020.

يتحدث ترامب بلغة الأمريكى العادى ويستخدم الألفاظ التى يمكن أن تسمعها فى الشوارع والحانات. ورغم أنه من أكثر السياسيين الذين أدلوا بمعلومات خاطئة، وأحيانًا مسيئة ومُهينة لبعض فئات الشعب الأمريكي، فإن ذلك لم يؤثر على شعبيته بين مؤيديه، بل نجح فى كسب تأييد فئات جديدة. ويتوقف المُحلل أمام التأييد الذى تلقاه من الأمريكيين المهاجرين من بورتريكو بعد أن كان قد وصف بلادهم بالنفايات، كما يتوقف أمام التأييد الذى حصل عليه من الأمريكيين من أصول عربية وإسلامية فى ولاية ميتشجان رغم أنه من أول القرارات التى اتخذها بعد انتخابه عام 2017 منع دخول القادمين من ست دول عربية وإسلامية، علاوة على موقفه الرافض لإقامة دولة فلسطينية.

ويُمكن تفسير ذلك على أن هؤلاء الأمريكيين لا يُصوتون وفقًا لأصولهم العرقية والدينية وإنما لمصالحهم المُباشرة كمواطنين يواجهون مُشكلات الغلاء والبطالة وتوافر الخدمات التعليمية والصحية وتداعيات الهجرة غير الشرعية. وكان ذلك واضحاً فى المُقابلة التى أجراها أول عمدة من أصل عربى فى إحدى مُدن ميتشجان والذى قال صراحة بأننا أمريكيون ونُدلى بأصواتنا وفقاً لمصالحنا الحياتية. يتوقف المُعلق أيضاً أمام حقيقة أن ترامب فاز فى انتخابات 2016 على منافسته هيلارى كلينتون، وفاز فى انتخابات 2024 على منافسته هاريس بينما خسر فى انتخابات 2020 ضد منافسه جو بايدن. فهل لعب الجندر دوره، وأن قطاعًا من الأمريكيين ما زال غير مُستعد لقبول امرأة كرئيس للجمهورية، خاصة إذا كانت سوداء.

وأتذكر أن الرئيس أوباما قد تساءل فى مذكراته بعُنوان «أرض الميعاد»، عما إذا كان توليه الحكم زاد من حدة الانقسام الاجتماعي، وعما إذا كان المُجتمع الأمريكى مُستعداً وقتذاك لقبول رئيس أسود.

لم تكن مهمة هاريس سهلة لكونها امرأة سوداء تسعى لمنصب الرئاسة فى سياق يتسم بالانقسام الاجتماعي، وتصاعد ثقافة اليمين المحافظ المتشدد. وزاد من ذلك، الخطاب السياسى لترامب الذى شكك فى هويتها، وأنها تُشير أحياناً إلى نسبها الهندى وأحياناً أُخرى إلى والدها القادم من جامايكا. وفى المُقابل، قدم ترامب نفسه فى صورة «الماشيزمو» أى الرجل القوي، الذى يحيط نفسه بدائرة من الرجال البيض الأقوياء. استغل ترامب شعور الإحباط لدى قطاع من الرجال الذين يتخوفون من التفوق النوعى للنساء فى المجتمع، فكتب تعليقا ذات مرة تحت عنوان «الرجولة تحت الهجوم».

فى مواجهة ذلك، تعامل قادة الحزب الديمقراطى مع موضوع «الرجال المُحبطين» بطريقة أخرى، فدعاهم الرئيس أوباما إلى مواجهة أنفسهم بشجاعة بقوله «إنهم لا يشعرون بفكرة وجود امرأة كرئيسة، ويميلون إلى تقديم بدائل وأسباب أخرى لذلك»، وكان الممثل إيد أونيل أكثر صراحة، عندما قال «كن رجلاً وصوت لامرأة». أما هاريس فقد قللت من أهمية النوع واللون مؤكدة أنها تخوض الانتخابات على أساس القدرة والجدارة، بغض النظر عن العرق والجنس. كان لهاريس رهانات غير صحيحة. مثل الرهان على تأييد الناخبات لها. وأدى موقفها المؤيد حق المرأة فى الإجهاض إلى مُعارضة المتدينين وذوى الآراء المحافظة وعدم التصويت لها. وهناك من يرى بأنها أخطأت فى تسمية حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز كنائب للرئيس بينما كان الأفضل لها اختيار توم وولف حاكم بنسلفانيا الذى كان سوف يضمنُ لها كسب هذه الولاية وكُل من ميتشجان وويسكونسن والتى ثبت أنها حاسمة فى اختيار الرئيس.

وتبقى الإشارة إلى فشل استطلاعات الرأى التى أُجريت حتى صباح يوم الانتخابات فى توقع نتائجها. فقد أجمعت كُلها على التقارب الشديد فى فُرص ترامب وهاريس. وهو ما يُثير السؤال حول مدى دقتها العلمية، وعما إذا كانت تُحركها أهواء سياسية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية