تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

كيف يتحقق التغيير الثقافي؟

كتبت فى الأسبوع الماضى عن قيم الإنجاز والتعاطف والتفكير العلمى والأخذ بالأسباب، باعتبارها من أهم القيم المحبذة للتقدم والنهضة، وجادلت بأن مُجرد الدعوة إليها من خلال أدوات الإعلام والتواصل الاجتماعى لا تكفي، ولا تضمن انتشارها بين جمهور الناس، وإنما ينبغى أن ترافقها سياسات وإجراءات عملية يلمسونها فى حياتهم اليومية تمثل تطبيقا وسندا للدعوة لتلك القيم، فتصبح جزءا من الرسالة الثقافية للدولة.

 

وعلى سبيل المثال، فإن أول ما يجب أن تقوم به وزارة التربية والتعليم فى هذا الشأن هو مراجعة جادة لمضمون الكتب المدرسية، وبالذات فى سنوات الطفولة المبكرة، للتأكد من أنها تركز على هذه القيم، وعلى الهوية الوطنية المصرية. فالحقيقة، ورغم كل ما يقال ويردده مسئولو الوزارة على مدى سنوات عن تعديل مضمون المناهج بما يجعلها متواكبة مع هذا الهدف، فإنه لم يتحقق بالصورة المرجوة.

وإلى جانب مضمون الكتب المدرسية، تنبغى الإشارة إلى الدور الحيوى للقائمين بالعملية التعليمية فى المرحلة الأولى من التعليم، ومدى تأهيلهم لشرح هذه القيم. وأركز على مرحلة الطفولة المبكرة، لأنها مرحلة بداية تكوين الشخصية، وبناء القيم والاتجاهات لدى الإنسان. فالأطفال يتأثرون بكلمات معلميهم وسلوكهم ويصدقونها. ويتفق علماء النفس والتربية على أن سنوات الطفولة المبكرة والمتوسطة من أهم مراحل تطور شخصية الإنسان واكتمالها. والخلاصة، أن قيم الإنجاز والابتكار والتعاطف والتفكير العلمى والأخذ بالأسباب، ينبغى أن تكون واضحة فى جزء من أهداف برامج التربية والتعليم فى هذه المرحلة المُبكرة من عمر الإنسان.

من المهم أيضا نشر ثقافة التكريم، وأن تكون هناك مناسبات على كل المستويات لتكريم المتفوقين والمتميزين، وأن يتم ذلك بشكل مؤسسى ودوري. ومن هذه المناسبات، الاحتفالات التى تقام لتكريم المتفوقين فى مراحل التعليم المختلفة ما قبل الجامعى والجامعي، وتسليط الضوء عليهم ليكونوا قدوة لغيرهم من الشباب، ونماذج يتشبه بها الآخرون. وفى مصر بدأ الاحتفال بعيد العلم من ثمانين سنة، ففى 17 أغسطس 1944، عُقِد الاحتفال لأول مرة ووجه الملك فاروق إلى المكرمين خطابا بهذه المناسبة.

وفى عام 1958 تغير موعد الاحتفال، ليكون يوم 21 ديسمبر وهو تاريخ افتتاح الجامعة المصريةعام 1908. كان حفلا كبيرا ومهيبا حضره الرئيس جمال عبدالناصر الذى قام بتوزيع شهادات التفوق على أوائل الثانوية العامة وخريجى الجامعات، والحاصلين على جوائز الدولة. كما شمل الحفل تكريم إحدى الشخصيات الفكرية والثقافية الكبري، فتم تكريم طه حسين فى عام 1958، وعباس العقاد عام 1959، وتوفيق الحكيم عام 1960. وفى عام 1965، كان تكريم عملاقى الفن محمد عبدالوهاب وأم كلثوم.

وفى الحقب التالية، تغير شكل الاحتفال بعيد العلم ليقتصر على قيام رئيس الجمهورية بتوزيع جوائز الدولة التى تمنحها كل من أكاديمية البحث العلمى والمجلس الأعلى للثقافة. وأتذكر أنه فى عام 1978 أننى تسلمت من الرئيس السادات وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى لفوزى بجائزة الدولة التشجيعية، وعقد الاحتفال يومها فى مسرح الجمهورية بعابدين.

وفى مرحلة تالية، اقتصر الحفل الذى يشارك فيه رئيس الجمهورية على توزيع جوائز أكاديمية البحث العلمي، وظلت جوائز المجلس الأعلى للثقافة حبيسه الأدراج، حتى قام وزير الثقافة الحالى د. أحمد هنو بتوزيع الجوائز التى تم منحها من عام 2019، وحتى عام 2024. أضف إلى ذلك، أن الاحتفال بعيد العلم لم يعد سنويًا كما كان من قبل، وأن تكريم أوائل الثانوية العامة صار يتم بواسطة وزير التربية والتعليم.

وأعتقد انه آن الأوان أن يكون فى مصر احتفال ضخم بعيد العلم، تكرم فيه الدولة المتميزين والمتفوقين والمٌبتكرين فى جميع المجالات، وأن يرافق ذلك احتفالات مماثلة على مستوى المحافظات. فالمطلوب، هو إشاعة ثقافة التكريم، وأن يشعر المتفوقون والنابهون انهم محل اعتزاز وتقدير من بلادهم، وأن تبرز وسائل الإعلام هذا التكريم فى برامجها تحقيقا لهذا المعني.

واتصالا بذلك، فإن تشجيع ثقافة الابتكار والاختراع يتطلب إجراءات عملية، قامت مصر بتبنى العديد منها، مثل إنشاء بوابة إلكترونية باسم بنك الابتكار المصرى عام 2002، تشمل مجموعة من قواعد المعلومات، وتكون نقطة التقاء بين المخترع والمستثمر ورجل الصناعة والمجتمع المدني. وصندوق رعاية المبتكرين والنوابغ الذى صدر القرار الجمهورى بإنشائه عام 2019، ويبدو أن العمل به بدأ عام 2022، ومراكز الإبداع التكنولوجى وريادة الأعمال، وإطلاق وزارة التعليم العالى مؤشر الابتكار المصري.

وكان من شأن هذه الخطوات، تحسين موقع مصر على مؤشر الابتكار العالمى الذى تصدره المنظمة العالمية للملكية الفكرية، عشر مراتب منذ عام 2020، فقد ارتفعت من المرتبة 96 إلي94، ثم 89 لتشغل رقم 86 عام 2023، وذلك من أصل 132 دولة. وفى 2023، أنشئ مركز مصر لريادة الأعمال والابتكار.

ومما لا شك فيه أنها خطوات جادة، ولكن للأسف لا توجد معلومات على الإنترنت عما حققته على ارض الواقع، كعدد المبتكرين الذين تم رعايتهم أو عدد الشركات التكنولوجية الناشئة التى تم دعمها، أو عدد براءات الاختراع التى تم تسجيلها، ناهيك عن المبالغ التى تم رصدها لتمويل تلك الأنشطة. كما يلاحظ نقص الاهتمام الإعلامى بالموضوع، وهو ما يتضح فى قلة الأخبار والمعلومات المنشورة بشأنه. واعتقد، أن الأمر يحتاج إلى اهتمام أكبر لتسليط الضوء على الابتكار والمبتكرين فى مصر.

التحديات كثيرة والمسئوليات جسيمة ومتعددة، ولكن لا بديل عن التعامل معها فى نفس الوقت من جانب الحكومة والقطاع الخاص والجامعات ومراكز البحوث والمجتمع المدني، فالعالم يتغير بسرعة كبيرة. والعامل الحاسم فى هذا التغير، هو امتلاك أدوات التكنولوجيا المتقدمة التى تعتمد على الابتكار، وفى القلب منها الذكاء الاصطناعى واستخدامه فى سائر مناحى الحياة. وفى هذا فليتنافس المتنافسون.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية