تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

فى انتظار «جودو»

يترقب العالم أحداث الغد الاثنين 20 يناير 2025 عندما تتم مراسم تنصيب دونالد ترامب الرئيس السابع والأربعين للولايات المُتحدة، ويحبس كثير من الدول والحكومات أنفاسه متخوفًا مما سوف يقوم به الساكن الجديد للبيت الأبيض، وهو ما يُذكرنى بمسرحية الأديب الأيرلندي، صمويل بيكيت، بعُنوان «فى انتظار جودو» التى صدرت طبعتها الأولى فى عام 1953 وارتبطت فيما سُمى فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى بمسرح العبث أو مسرح «اللامعقول»، والتى تردد أن أديبنا العظيم توفيق الحكيم قد تأثر به عند كتابة مسرحيته «يا طالع الشجرة» الصادرة عام 1962 والتى أثارت وقتها جدلًا واسعًا بين المثقفين فى مصر وبقية الدول العربية.

وتدور مسرحية بيكيت حول فكرة انتظار المجهول الذى لا يأتى أبدًا، فبطلا المسرحية وهُما فلاديمير وإستراجون اللذان التقيا معًا بالمُصادفة، وكلاهما مُتعب ويُعانى من بعض الاضطرابات والذكريات السلبية. ويكشف تداعى الحوار بينهما عن أنهما بحاجة لانتظار شخص ما أطلقا عليه اسم «جودو»، ولكنهما لا يعرفان تحديدًا المكان أو الزمان المُتوقع للقائهما به. ولكِن لأنهما اعتقدا أنه «لا يوجد مجال لفعل شيء»، فقد جلسا تحت شجرة فى انتظار جودو، يتبادلان أطراف الحديث، ويتناقشان فى أمور مصيرية وهزلية شتى. وعندما طال انتظارهما دون قدوم جودو، قررا الانتحار، ولكنهما فشلا فى ذلك، فعادا مرة أُخرى للجلوس تحت الشجرة «فى انتظار جودو»، وتنتهى المسرحية دون أن يظهر جودو أو يعلم الناس من هو.

والفارق بين مشهد تسلم ترامب للسُلطة وانتظار جودو أن الأول حقيقي، فغدًا تتم مراسم تنصيب رئيس الجمهورية الجديد. والفارق الآخر أن أحدًا لا يعرف إلى ماذا يُشير جودو وهل هو رمز لإقامة العدالة بين الناس أو تحقيق المعنى لحياتهم. وخلافًا لذلك، فإن ترامب له خبرة سابقة، والعالم يعرفه من خلال فترة رئاسته الأولى فى الفترة بين 2017-2021، ومن خلال تصريحاته فى فترة الحملة الانتخابية فى العام الماضي، ولكن يتمثل وجه التشابه بين المشهدين فى الاختلافات الكبيرة فى فهم مقاصد ترامب وكيف سوف يتمكن من تحقيقها، وعما إذا كان بعضها أصلًا قابلا للتحقيق أم لا.

وعلى سبيل المثال، فإن وعده بخفض الميزانية الفيدرالية بمقدار الثُلث يتطلب تسريح مئات الآلاف من الموظفين وإلغاء عدد من المهام والخدمات التى تقدمها الحكومة الفيدرالية، وكذلك فإن وعده بترحيل المُهاجرين غير الشرعيين المُقيمين فى الولايات المُتحدة يتطلب وجود أعداد كبيرة من الموظفين ورجال الشرطة للقيام بمهام الحصر والتدقيق واتخاذ القرار بالترحيل وتنفيذه، كما تعترضه صعوبة قانونية أن القانون الأمريكى يحظر الفصل بين الطفل المولود بأمريكا وأمه، وعلى المُستوى الخارجى فإن تصريحات ترامب أضافت مزيدًا من الاضطراب فى العلاقات الدولية، مثل حديثه عن ضم كندا إلى أمريكا باستخدام القوة الاقتصادية، وتهديده باستخدام القوة المسلحة لاستعادة قناة بنما بدعوى أن الصين تتولى إدارتها، وأخيرا اقتراحه بتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا.

ويستمر هذا الاضطراب فيما يتعلق بمواقفه تجاه الشرق الأوسط. فقد أشار من ناحية إلى إسرائيل الصغيرة للغاية، مما أعطى الانطباع بتفهمه لدوافع أى توسع إسرائيلي، ودعم ذلك نوعية من رشحهم لتولى مناصب عليا بإدارته. ولكنه ناقض هذا الموقف بنشره فى 7 يناير 2025 على صفحته الشخصية على موقع Truth Social الذى يملكه ترامب فيديو لأستاذ الاقتصاد الأمريكى الشهير، جيفرى ساكس، وجه فيه انتقادات لاذعة لإسرائيل، واتهم نتنياهو بإقحام بلاده فى حروب لا نهاية لها لخدمة مصالح إسرائيل. وضرب مثالًا لذلك بدورها فى دفع واشنطن لغزو العراق فى 2003، وأنه ما زال يُمارس الضغوط حتى تدخل أمريكا فى حرب ضد إيران. وقد قام ترامب ببث هذا الفيديو دون تعليق من جانبه.

هناك إجراءات وتقاليد فى مناسبة تنصيب رئيس الجمهورية الأمريكي، تتم عادة يوم 20 يناير إلا فى السنوات التى يكون فيها هذا اليوم يوم أحد، فيؤجل الحفل لليوم التالى مثلما حدث مع أيزنهاورعام 1957 وريجان عام 1985. وكالعادة يريد ترامب أن يضع بصمته على كل ما يقوم به فرفض قبول التمويل الحكومى لحفل التنصيب وقرر الاعتماد على تبرعات أنصاره. ودعا إلى تجمع حشد جماهيرى ضخم فى العاصمة واشنطن فى اليوم السابق للتنصيب سماه أنصاره «مسيرة النصر». كما قام بدعوة عدد من قادة دول العالم، بمن فيهم الرئيس الصينى لحضور الحفل الرسمى للتنصيب فى اليوم التالي، والذى يعرف عادة باسم «يوم القسم الرئاسي»، حيث يقوم الرئيس ـــ ونائبه ـــ بأداء القسم أمام رئيس المحكمة العليا، بينما يضع يده اليسرى على نسخة من الإنجيل. واستخدم ترامب فى مثل هذه المناسبة عام 2017، نسختين من الإنجيل الأولى النسخة التى أقسم عليها الرئيس أبراهام لينكولن والتى سبق لكثير من الرؤساء استخدامها، والأخرى هدية من والدته. تشمل المراسم أيضًا إلقاء الرئيس خطابا يشرح فيه سياساته. وبعدها، يتحرك وأسرته إلى المقر الرسمى للرئيس وهو البيت الأبيض. يتردد أن الرئيس سوف يوقع فى اليوم الأول من تسلمه الحكم على ما يقرب من 100 قرار تنفيذي، تتعلق بحماية أمن الحدود مع المكسيك، والرسوم الجمركية على الواردات، وإلغاء الضوابط التى وضعتها إدارة بايدن على أنشطة التنقيب عن النفط والغاز، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين ممن دخلوا البلاد مؤخرا، وقواعد العمل الجديدة للحكومة الفيدرالية، وتدريس قضايا النوع فى المدارس، واستخدام اللقاحات. ومن المتوقع أيضا أن يوقع الخطابات الرسمية الخاصة بترشيح أعضاء إدارته وغيرهم من كبار المسئولين وإرسالها إلى الكونجرس.

فهل يُفصح ترامب عن كُل أوراقه فى الأسابيع الأولى لحكمه؟ أم يترك دولا كثيرة تضرب أخماسًا فى أسداس فى انتظار «جودو»؟
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية