تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. علي الدين هلال > عودة الحياة إلى صناعة الغزل والنسيج

عودة الحياة إلى صناعة الغزل والنسيج

كثيرة هى الإغراءات للكتابة فى قضايا السياسة الخارجية، ولكننى فضلت الحديث عن موضوع داخلي، وهو افتتاح رئيس مجلس الوزراء د.مصطفى مدبولى يوم السبت 28 ديسمبر 2024 فى المحلة الكبرى، المرحلة الأولى من مشروع تطوير صناعة الغزل والنسيج المستهدف الانتهاء من مرحلتيه الثانية والثالثة فى يناير 2026. وذلك، لما يحمله هذا الحدث من دلالات، فقد ظلت صناعة الغزل والنسيج أحد أعمدة الاقتصاد المصرى لفترة طويلة، وارتبطت بذكريات سياسية ووطنية تتعلق بسيطرة الأجانب على الحياة الاقتصادية فى مصر، وهيمنة سلطات الاحتلال على مقدرات زراعة القطن وتصنيعه، وكفاح المصريين لأن يكونوا أصحاب القرار الاقتصادى والسياسى فى بلادهم.

 

بدأ المصريون فى زراعة القطن فى عهد الوالى محمد علي، ونشأ عدد من شركات حلجه، أى فصل البذرة عن شعيرات القطن، ونقلها إلى مصانع عصر الزيوت. أما الشعيرات، فيتم تكريرها وكبسها فى بالات لنقلها إلى مصانع الغزل والنسيج ولغيرها من الاستخدامات. أنشأ محمد على عددا من المحالج، كان أولها فى منطقة القناطر الخيرية، ثم تم إنشاء مصانع للغزل والنسيج فى عدد من المدن، كان من بينها القاهرة، والمحلة الكبرى، وقليوب، وزفتى فى الوجه البحري، والمنيا، وأسيوط، وبنى سويف، وقنا فى الوجه القبلي. وسميت هذه المصانع بلغة هذا الزمان «فابريقات»، فكان منها فابريقة بولاق، وفابريقة السبتية، وفابريقة إبراهيم أغا. وأنتجت أنواعا مختلفة من الأقمشة القطنية، التى عرفت بأسماء البافته، والباتستا، والبصمة، والشاش، والموسلين أو الموصلين.

واستكمالا لحلقات الإنتاج، أقام الوالى مصانع لتبييض الأثواب القطنية والحريرية التى تم تصنيعها، واشتهرت هذه المصانع باسم «المبيضة». ومن هذا الوقت المبكر، كانت صناعة الغزل والنسيج باعثا لإنشاء العديد من الصناعات المغذية، كصناعة أمشاط الغزل، وصناعة النيلة للأصباغ، وورش الحدادة والنجارة والخراطة.

وعقب الاحتلال البريطانى عام 1882، توسعت زراعة القطن وإنشاء المحالج والمكابس وتصدير إنتاجها لخدمة مصانع الغزل والنسيج فى بريطانيا. واستمرت سيطرة الأجانب على ملكية وإدارة المحالج والمكابس حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. ويرجع الفضل فى تمصير هذه الصناعة إلى طلعت حرب باشا الذى أنشأ بنك مصر فى أبريل 1920، الذى كان أول بنك برأسمال مصرى خالص. فقام فى عام 1924 بإنشاء شركة مصر لحلج الأقطان، فكانت أيضا أول شركة مصرية فى ملكيتها وإدارتها وعمالتها فى هذا المجال، فدشنت الشركة «شون»، أى مخازن لتجميع القطن فى المحافظات. وأعقب ذلك، إنشاء البنك شركة مصر للغزل والنسيج فى المحلة الكبرى فى 1927.

أسهمت شركة الحلج المصرية فى تزويد شركة الغزل بالأقطان اللازمة لتشغيلها. وأدى ذلك إلى ازدياد مطرد فى إنتاج وأرباح شركة الحلج. وحسب بحث د.إيمان عبدالله التهامى من جامعة دمياط عن «شركات الحلج وكبس القطن فى مصر 1894-1952»، فقد ارتفع رأسمال الشركة من 30 ألف جنيه عند التأسيس إلى200 ألف عام 1929، ثم 250 ألفا عام 1950. حقق المصريون نجاحا باهرا فى إدارة هذه الشركة بعد سنوات طويلة من هيمنة الأجانب على أنشطة المحالج والمكابس، فكان مجلس إدارتها وعمالها بالكامل من المصريين. أما الموظفون، فقد كانوا كذلك، ماعدا عددا محدودا من الوظائف الفنية المتخصصة التى تطلبت الاستعانة بالأجانب. وعلى سبيل المثال، ففى عام 1950 بلغ عدد موظفيها 359 موظفا، كان منهم سبعة أجانب فقط.

وعندما نشير إلى شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، فإننا نتحدث عن مجمع صناعى عملاق أو مدينة صناعية متكاملة، يشغل مساحة ما يقرب من 600 فدان وأكثر من مائة مبنى، تضم مصانع الغزل والنسيج، ومصانع التجهيز والتبييض والصباغة والطباعة، ومصانع الملابس الجاهزة، ومصانع الصوف والبطاطين والحرير والقطن الطبى وقطن التنجيد. هذا إلى جانب، إدارات التشغيل والتسويق والبيع والنقل، ومراكز الصيانة والتدريب. وكذا منشآت الخدمات السكنية والاجتماعية والطبية والرياضية.

وعلى مدى عقود، تعرضت صناعة الغزل والنسيج المصرية لعقبات شتى، كان منها عدم الاستثمار فى تجديد المصانع بما يتواكب مع التكنولوجيات الحديثة، وتوقف بعض الماكينات لانتهاء عمرها الافتراضى أو لعدم توافر قطع الغيار، وارتفاع نفقات الإنتاج، وإغراق السوق المحلية بأقمشة وملابس مستوردة بأسعار أقل، وعدم التنسيق بين الهيئات العاملة فى مجال زراعة القطن وتجارته وتصنيعه. أضف إلى ذلك، مشكلات سوء الإدارة وانخفاض مرتبات العمال.

مصر لها تاريخ طويل فى صناعة الغزل والنسيج، تراجعت هذه الصناعة لفترة، ثم عادت إلى النهوض، وظهر ذلك فى زيادة الإنتاج وتصدير المنتجات النسيجية فى السنوات الأولى من عشرينيات هذا القرن، بمتوسط 20% سنويا. وعلى سبيل المثال، فقد ارتفع عائد تصدير الملابس الجاهزة من 1.7 مليار دولار فى الشهور التسعة الأولى من عام 2023، إلى 2٫04 مليار دولار فى الفترة المقابلة من عام 2024، أى بنسبة زيادة 18%.

جاءت تلك التطورات نتيجة تطبيق «المشروع القومى لتطوير صناعة الغزل والنسيج» الذى تنفذه وزارة قطاع الأعمال، ويتضمن إعادة هيكلة الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس، وإنشاء مصانع جديدة، وإعادة تأهيل المصانع القائمة، ورفع كفاءتها، بما يؤدى إلى زيادة الإنتاج فى الغزول والنسيج والوبريات والملابس الجاهزة، وفقا لأهداف رقمية محددة. فى هذا السياق، كانت زيارة رئيس مجلس الوزراء لافتتاح خمسة مصانع جديدة مزودة بأحدث الماكينات، والانتهاء من تطوير وتحديث ثلاثة مصانع أخرى.

لابد أن نتحمس جميعًا لأى صناعة مصرية ناجحة وقادرة على المنافسة فى الأسواق العالمية، وصناعة الغزل والنسيج المصرية من هذه الصناعات الواعدة، والتى نرجو أن يكون تطويرها بداية استعادة مصر لمكانتها المتميزة فى هذا المجال.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية