تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. علي الدين هلال > سندباد حسين فوزى والهوية المصرية «1-2»

سندباد حسين فوزى والهوية المصرية «1-2»

عرضتُ في الأسبوع الماضي لأفكار د. محمد شفيق غربال حول الهوية المصرية في كتابه تكوين مصر الصادر عام 1957. وأعرض اليوم لأفكار د.حسين فوزي حول الموضوع نفسه في كتابه سندباد مصري: جولات في رحاب التاريخ، الذي بدأ كتابته في أكتوبر 1954، وأنهاه في أكتوبر 1959، وصدر عام 1961، وأهداه إلى صديقه توفيق الحكيم.

وقد قدّم فيه رؤية شاملة لوحدة الهوية المصرية عبر العصور والحقب المتتابعة، مشيراً إلى الأبعاد التاريخية والاجتماعية والثقافية والجغرافية والنفسية التي أسهمت في صياغتها. وبينما اتفق مع حُجّة غربال حول استمرارية الهوية المصرية وتراكم عناصرها، فإنه اختلف معه في بعض النقاط.

يستوقفنا في البداية التعرف على خلفية هذا المفكّر الكبير الذي وُلد في الإسكندرية عام 1900، وامتدت حياته حتى 1988. فقد جمع في تكوينه العلمي والعملي بين مجالات العلم والثقافة والفنون، وهو مفكر موسوعي درس الطب وعلوم الأحياء المائية في جامعتي السوربون وتولوز بفرنسا. وبعد عودته إلى مصر، عمل مديراً لمعهد علوم البحار بالإسكندرية، وكان أول عميد لكلية العلوم بجامعة فاروق الأول (جامعة الإسكندرية حالياً) عام 1942، ثم أصبح مديراً للجامعة عام 1945.

جمع فوزي في مسيرته بين الأدب والتاريخ والموسيقى والكتابة الصحفية، وعُيّن مديراً لأكاديمية الفنون عام 1968. كما كان رحّالة سجّل رحلاته في عدة كتب حملت عنوان سندباديات، اتخذ فيها من شخصية السندباد التراثية الواردة في ألف ليلة وليلة إطارا لعرض أفكاره حول التاريخ والثقافة والحضارة. وكان أول هذه الكتب سندباد عصرى (1938).

ويُعد كتاب سندباد مصرى أشهر كتبه وأكثرها انتشاراً. وكما فعل غربال، لم يقدّم فوزي سرداً تقليدياً للتاريخ المصري، بل عرض مجموعة من الصور والمشاهد لحياة المصريين عبر العصور في أسلوب أدبي رفيع. وقد أشار في مقدمة الكتاب إلى أنه ليس مؤرخاً أكاديمياً، وأن هدفه من هذا العمل هو تقديم لوحات من ملحمة هذا الشعب «الذي أفخر بأنني واحد من آحاده».

يقع الكتاب في نحو أربعمائة صفحة من القطع المتوسط، ويعرض لملحمة مصر عبر العصور، مؤكداً أن بطلها الحقيقي هو الشعب المصري، فهو صانع الحضارة. ووفق هذه الرؤية، فإن التاريخ سلسلة من الحلقات المتصلة وليست مراحل منفصلة لا رابط بينها. وانتقد فوزي كتب التاريخ المصري التي قدمته على أنه «مقطع الأوصال كأنه تاريخ أمم متعاقبة»، فسعى إلى إعادة قراءته في استمراريته وبتراكم عناصره. لم يتبع المؤلف التسلسل الزمني للتاريخ المصري، بل قسّم الكتاب إلى ثلاثة أقسام تحمل عناوين رمزية تعبّر عن رؤيته لهذه المراحل: الظلام ـــ الخيط الأبيض والخيط الأسود ـــ الضياء.
القسم الأول «الظلام» يشير إلى الفترة التي بدأت بالحكم العثماني لمصر عام 1517، ووصفها بأنها مرحلة «انحطاط نسبي»، ممتدة حتى الحملة الفرنسية ثم عهد محمد علي وحكام الأسرة العلوية من بعده. ورغم جدية هذا القسم، فإنه لم يخلُ من روح الدعابة، فذكر «نكتة الفرنساوية» التي انتقد فيها تقليد بعض المصريين للفرنسيين بشكل يثير السخرية، و«نكتة الباشا والمصرلية» التي انتقد بها ضعف ثقة الطبقات الشعبية في نفسها نتيجة قهر الباشوات.

القسم الثاني «الخيط الأبيض والخيط الأسود» يتناول مرحلة دخول الإسلام مصر في القرن السابع الميلادي، والجوانب الروحية والثقافية المصاحبة لذلك. وقدّم فوزي بأسلوب شيق قصة تحول مصر إلى الإسلام وانتشار العربية فيها، مؤكداً أن العروبة والإسلام أصبحا جزءاً أصيلاً في تكوين الشخصية المصرية.

ولم يرَ في ذلك انقطاعاً عن المراحل السابقة، بل امتداداً لها، حيث تماهى المصريون مع الثقافة الجديدة وتفاعلوا معها وأضافوا إليها طابعهم الخاص. ورأى أن المصريين حافظوا على جوهرهم الوطني رغم تبدّل الدين واللغة وتعاقب الغزاة.

القسم الثالث «الضياء»، وهو الأقرب إلى قلب المؤلف، يتناول التاريخ المصري القديم الذي يعدّه أصل الحضارة والهوية المصرية. ويرى فوزي في هذه المرحلة «عصر النور»، ويُظهر شغفه بإبداعات المصري القديم الذي وصفه بأنه «صانع الحضارة، وعاشق النيل، المحب دائماً للسلام… الساعي للحب والخير والوئام». ويؤكد أن السمات الإيجابية للشخصية المصرية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، فالمصري منذ القدم متمسك بالأرض والنيل، محب للاستقرار والبناء، وهي صفات تناقلتها الأجيال.

وبرزت في جميع هذه المراحل قيمة الوطن كقيمة عليا لدى فوزي، حيث يعلن صراحة في مقدمة الكتاب: «أؤمن بوطني وشعب بلادي». وقد عبّر عن هذا الإيمان باستعراض صمود المصريين تحت الاحتلال والاستبداد، وتضحياتهم وكفاحهم لنيل الحرية والكرامة.

واستعرض ثورات المصريين وانتفاضاتهم في التاريخ الحديث، من انتفاضات الفلاحين إلى مقاومة الحملة الفرنسية، وصولاً إلى ثورة عرابي وثورة 1919، مؤكداً أن تاريخ مصر هو تاريخ البطولات الشعبية، وليس سير الملوك وحدهم.

وإذا كان ما سبق يوضح دور التاريخ في تكوين الهوية المصرية الواحدة والمتصلة، فإن فوزي دعم حجّته بالإشارة إلى العوامل الجغرافية والثقافية والنفسية، وهو موضوع المقال القادم ـــ إن شاء الله.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية