تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

حرب أكتوبر وبناء الإنسان

عندما يستعيد المرء ذكريات الأيام المجيدة التى عاشها المصريون فى شهر أكتوبر 1973، والسنوات الصعبة التى سبقتها منذ حرب 1967، يدرك أن العنصر الحاسم فى تطور المجتمعات والدول هو الإنسان، وأن مكونات البشر من تعليم وصحة وثقافة هى التى تمكن بعض المجتمعات من التقدم والازدهار والنصر، أو تجعل أخرى حبيسة التخلف والهزيمة. ظهر دور الإنسان المصرى فى رفض النتائج السياسية والنفسية لهزيمة 1967، فقد تصور الإسرائيليون أن نتائج هذه الحرب واحتلالهم شبه جزيرة سيناء وصولا إلى تمركز قواتهم على الضفة الشرقية لقناة السويس، سوف يفرض على المصريين الاستسلام للأمر الواقع، والقبول بالهزيمة كقدر محتوم.ركز الإعلام الإسرائيلى على الانتصار الذى تحقق فى ست أيام، وردد عبارات ذراع إسرائيل الطويلة التى تصل إلى أى مكان لتضرب خصومها، وهو ما يذكرنا بالضبط بالعبارات التى يتداولها القادة الإسرائيليون اليوم.

يشير الباحثون فى مجال الحروب والعلاقات الدولية، إلى أن النصر الذى تحرزه دولة ما لا يتحدد بالإنجاز العسكرى الذى حققته، والذى يمكن أن يصل إلى حد تدمير القوة العسكرية للخصم، ولكنه يتحدد فى هزيمة إرادة الخصم وإخضاعه بحيث يغير أهدافه ويتوقف عن الاستعداد لمعركة جديدة. فالعبرة فى تحديد معنى النصر والهزيمة، فى إرادة أطراف الصراع، وهل يتمسك الطرف الذى انهزم عسكريا فى المعركة بإرادة الصمود والتحدي، أم يغير أهدافه ويستسلم لإرادة الخصم؟ رفض المصريون القبول بالهزيمة، وصمموا على أن يستردوا أراضيهم المحتلة بالقوة. ولعب الفن دورا كبيرا فى شحذ الهمم وإثارة المشاعر الوطنية.وعلى المُستوى العسكري، أعادت القوات المسلحة تنظيم خطوط الدفاع على طول الجبهة بعد أقل من أسبوع، ودعمتها قوات وآليات من عدد من الدول العربية. لم تنتظر القوات المسلحة كثيرًا، وقامت بأولى عملياتها ضد إسرائيل فى رأس العش يوم 1 يوليو 1967، وتم إغراق المدمرة إيلات الإسرائيلية فى 21 أكتوبر. رافق ذلك، تعويض الخسائر فى الأسلحة والمعدات، وخلال عشرة أيام وصلت أعداد من طائرات الميج يقودها طيارون مصريون من الجزائر، وسرب من قاذفات القنابل طراز تى يو-16من الاتحاد السوفيتي، واستكمل الجيش تعويض خسائره فى القوات الجوية فى ديسمبر 1967، والبرية في1968.

صاحبت ذلك، عملية هائلة لإعادة تدريب أفرادالقوات المسلحة وتوزيعهم على خط الجبهة. ففى عام 1968، تم إنشاء سلاح الدفاع الجوي، وتكوين الجيش الثالث. وتتالت الأحداث، ففى 8 مارس 1969 أعلن الرئيس عبدالناصر بدء حرب الاستنزاف، وفى 27 من الشهر ذاته أعلن عدم التزام مصر بوقف إطلاق النار، وصولا إلى اندلاع المواجهة على طول خط الجبهة التى استمرت حتى قبول مصر مبادرة روجرز فى 7 أغسطس 1970. وقف الشعب بحسم مع جيشه، وتحمل الكثير من المشاق. كان منها تهجير سكان مدن القناة- التى أصبحت فى مرمى نيران العدو- إلى أماكن أخرى، ونقص الخدمات والمواد التموينية، والغارات اليومية للعدو. كما شاركوا فى الدعم المالى لجيشهم من خلال التبرع للمجهود الحربي، وشراء "سندات الجهاد" التى أصدرها البنك المركزى فى مارس 1972، وقامت كوكب الشرق أم كلثوم بإحياء عشرات الحفلات التى خصصت إيراداتها لدعم المجهود الحربي، استمرت هذه الحفلات خلال الفترة 1972-1967، وشملت فى داخل مصر دمنهور والإسكندرية والمنصورة، عددا من الدول العربية، وباريس وموسكو. وبنفس روح الإصرار والتحدي، بدأ الجيش المصرى إعداد خطة الحرب رغم المعوقات التى واجهته مثل النقص فى أعداد ونوعية بعض الأسلحة بالمقارنة لما كانت تمتلكه إسرائيل، والتقارب الذى حدث بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى عام 1968وإعلانهما اتباع سياسة «الوفاق الدولى»، ووفاة عبدالناصر فى سبتمبر 1970 وصراعات السلطة التى أعقبت ذلك.

وقام المصريون بالبحث عن حلول للتحديات التى تواجههم، فتم تصميم وتصنيع العديد من معدات الجيش فى المصانع المصرية. وفى مواجهة خط بارليف الذى أقامه الجيش الإسرائيلى على الضفة الشرقية للقناة لمنع أى هجوم برى مصري، تفتق ذهن الضابط المهندس باقى زكى يوسف عن فكرة تصميم طلمبات فائقة القوة تسحب المياه من قناة السويس وتقذفها تجاه الخط لفتح ثغرات تركز عليها نيران المدفعية. وفى مواجهة تحدى قدرة إسرائيل على فك شفرات الاتصالات العسكرية، اقترح الجندى أحمد إدريس استخدام اللغة النوبية التى لم تكن مكتوبة وكان من الصعب للغاية فك شفراتها. وعندما جاءت ساعة الصفر، كان الجيش والشعب فى شوق إليها. على خط الجبهة، كانت البطولات والتضحيات، وفى الداخل، تراجعت معدلات الحوادث والجرائم بشكل كبير، وخلت سجلات الشرطة من الجرائم الجنائية. كلمة السر فى كل هذا، هى الروح المعنوية للبشر،التى تعد العنصر الحاسم فى التطور الاجتماعي. ويقصد بها القوة الكامنة فى عقل الإنسان وضميره، والنابعة من مجموعة المعتقدات والقيم التى يؤمن بها، ومدى ارتباطه بالأهداف التى يطرحها القادة. تتفاعل الروح المعنوية مع الأحداث اليومية سلبيا أوإيجابيا، ويترتب عليها نوع السلوك الذى يتبناه الإنسان تجاهها.

والروح المعنوية مهمة فى ظروف الحرب والسلم، وبين العسكريين والمدنيين على حد سواء. ففى ظروف الحرب، تظهر ثقة الجندى بنفسه وقادته وسلاحه، واستعداد المقاتلين لبذل اقصى ما لديهم والتضحية بأرواحهم للدفاع عن بلادهم، وفى التفاف عموم الشعب حول جيشه ومؤازرته. وفى غير أوقات الحرب، تظهر فى التماسك الوطنى فى مواجهة تحديات التنمية والتحديث فى الداخل، والأخطار القادمة من الخارج.

الإنسان هو هدف التنمية المستدامة وأداتها. ولذلك، تركز كل الدول على الاستثمار فى البشر، وفى تمكينهم من توسيع فرص الحياة، والمشاركة فى بناء بلدهم والدفاع عنها، وتوفير الحياةالكريمة لهم. والتحدى الأكبر الذى يواجهنا فى السنوات القادمة هو بناء الإنسان.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية