تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

ترامب وتغيير أمريكا

إذا كانت السياسة الخارجية للرئيس الأمريكى ترامب مهمة ومُثيرة للجدل والنقاش، فإن ما يقوم به فى الداخل الأمريكى لا يقل أهمية ومدعاة للمُتابعة والتحليل. فسياساته تهدف إلى تغيير أمريكا التى نعرفها. وهو ليس رئيس جمهورية عاديا أو أنه سوف يكتفى بتغيير بعض السياسات هُنا أو هناك، ولكِن هدفه يتجاوز ذلك بكثير فيسعى إلى إعادة هيكلة قطاعات واسعة فى المُجتمع الأمريكي.

نُقطة البدء فى فهم رؤية ترامب هو شعوره بتراجع القوة الأمريكية فى العالم ومن ثَم رفع شعار «استعادة العظمة الأمريكية».وأفصح عن استعداده للقيام بكل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف، والذى يأتى فى مُقدمته استعادة القُدرة التصنيعية الأمريكية والعمل على عودة المصانع الأمريكية التى رحلت إلى دول أخرى، وذلك من خلال فرض رسوم جمركية عالية على الواردات من كُل دول العالم. تمثل ذلك فى عديد من المواقف التى تبلورت فى القرارات الصادرة يوم 2 أبريل 2025 والتى وصفته المُتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض بأنه واحد من أهم الأيام فى تاريخ الولايات المُتحدة، ووصفه ترامب نفسه بـ «يوم تحرير أمريكا» من الاستغلال التُجاري. فى تفكير ترامب المُعادلة واضحة للغاية. من يستثمر فى داخل أمريكا، بغض النظر عن جنسيته، لا يدفع أى رسوم جمركية، أما من يستثمر فى الخارج، فإن صادراته إلى أمريكا سوف تخضع لرسوم جمركية باهظة. وهو يعتقد أن ذلك يحقق التجارة العادلة، فعلى مدى سنوات استغلت الدول الأُخرى انخفاض الرسوم الجمركية لإغراق الأسواق الأمريكية بمُنتجاتها.

وإلى جانب ذلك، يؤمن ترامب بدور المُبادرات الفردية والقطاع الخاص فى استعادة العظمة الأمريكية. ويعتقد أن التوسُع فى حجم الأجهزة الفيدرالية فى اختصاصاتها وعدد العاملين بها هو أمر سلبي. لذلك، أنشأ وزارة الكفاءة الإدارية التى منحها لصديقه إيلون ماسك، ومنحه سُلطات واسعة فى هذا الشأن تسببت فى حدوث صدامات مع الوزراء الآخرين. وتحقيقًا لهذا الهدف، تم إنهاء خدمة عشرات الآلاف من العاملين فى الهيئات الفيدرالية، مما أدى بدوره إلى رفع الكثير منهم لدعاوى فى المحاكم لوقف هذه القرارات.

فى مجال التعليم على سبيل المثال، أصدر ترامب فى 21 مارس أمرًا تنفيذيًا للبدء فى اتخاذ الإجراءات لتفكيك وزارة التعليم والتى سبق أن أعلنت خطتها فى خفض عدد العاملين بها إلى النصف، واتهم المسئولين عنها بتدريس النشء الأمريكى مواد خاطئة ومُضللة. وفى مجال الصحة، بدأت الوزارة فى تنفيذ خطة لخفض عدد العاملين بها وتم تسريح 10 آلاف موظف بالوزارة فى الأول من أبريل كمرحلة أولى.

كما تم خفض التمويل الفيدرالى المُقدم للجامعات الأمريكية، والذى يُعد أحد المصادر الأساسية فى تمويل البحوث العلمية. فتم إلغاء تمويل بقيمة 400 مليون دولار إلى جامعة كولومبيا، وآخر بقيمة 175 مليون دولار إلى جامعة بنسلفانيا، هذا علاوة على تهديد ترامب جامعة هارفارد بوقف تمويل يُقدر بتسعة مليارات دولار.

وفى مجال المُساعدات الخارجية، أصدر الرئيس ترامب أمرًا تنفيذيًا فى 3 مارس بإلغاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وكان قد سبق له الأمر بتجميد أنشطة الوكالة، ووقف أى تعاملات لها، مما أدى ذلك إلى منع وصول الدعم المالى لعشرات الآلاف من الطلاب الأجانب الذين يدرسون بالجامعات الأمريكية بمنح من الوكالة، وكذلك وقف أنشطة ومشروعات الجمعيات الأهلية المُستفيدة من برامجها.

وتضمنت هذه السياسات توسُع الرئيس ترامب فى تفسير اختصاصاته الرئاسية وحدود سُلطته التنفيذية التى كان من مظاهرها الأمر التنفيذى الذى أصدره فى أول يوم له بالبيت الأبيض، يوم 20 يناير، والقاضى بإلغاء حق نيل الجنسية للأطفال الأجانب الذى يُولدون فى أمريكا. وتوقيعه فى 19 فبراير على أمر تنفيذى يجعل الوكالات التنظيمية المُستقلة التى أنشأها الكونجرس مسئولة أمامه، وتدخله فى شئونها وعزل بعض العاملين فيها. أضف إلى ذلك، أوامره الخاصة بترحيل بعض الأجانب من الولايات المُتحدة بدون حُكم قضائي.وتصريحه بضرورة عزل القاضى الفيدرالى الذى حكم على أحد أوامره بعدم الدستورية.

حدث هذا كله فى أقل من ثلاثة أشهر على تولى ترامب للسُلطة. وتفسير ذلك أنه صاحب رؤية ومشروع للمُستقبل الأمريكي. لنا أن نتفق أو نختلف معه ولكن ينبغى فهم جوانبه وأبعاده المُتنوعة. وهو حريص على أن يُنفذ هذا المشروع وأن يلغى كل العقبات القانونية والمؤسسية التى تحول دون ذلك.

وتبقى المُفاجأة الكبرى فى أنه فى هذا الوقت المُبكر، تحدث عن احتمال إعادة ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة القادمة، ففى 30 مارس 2025، صرح قائلًا «إننى لا أمزح حول إمكانية الترشح لولاية رئاسية ثالثة» مُضيفًا أن هناك أساليب قانونية لتحقيق ذلك. وهذا على الرغم من وضوح التعديل الدستورى رقم 22 الصادر عام 1947 والذى أقر العُرف الدستورى بالبلاد، وينص على أنه»لا يجوز انتخاب أى شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين، ولا يجوز انتخاب أى شخص شغل منصب الرئيس أو عمل رئيسًا لأكثر من عامين من فترة انتخب لها شخص آخر رئيسًا لمنصب الرئيس أكثر من مرة».

لقد ركزت فى هذا المقال على بعض جوانب رؤية ترامب لتغيير أمريكا فى الداخل. ولم يكُن الهدف هو تقييم هذه الرؤية أو السياسات المُترتبة عليها ولكِن التعريف بها. فكثير منها محل جدل وخلاف، كما أن بعضها تم تجميده مؤقتًا من خلال المحاكم لمُخالفته الدستور إلى أن يتم الفصل فيه نهائيًا بواسطة المحكمة العُليا. والحقيقة، أن أمريكا اليوم تتغير، ويحدث ذلك بسُرعة كبيرة، وبقوة دفع من الرئيس نفسه. وفى المُقابل، هُناك مُعارضة لهذه التوجهات ظهرت فى أحكام المحاكم، وتوجهات الرأى العام.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية