تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. علي الدين هلال > أمير دولة التلاوة..الشيخ عبدالباسط عبدالصمد

أمير دولة التلاوة..الشيخ عبدالباسط عبدالصمد

إذا كان الشيخُ مُحمد رفعت هو زعيم دولة التلاوة فى القرن العشرين، والشيخُ محمود خليل الحُصرى هو حارس بوابتها، كما جادلت فى المقالين السابقين، فإن الشيخ عبدالباسط محمد سليم عبدالصمد هو أميرها بدون مُنازع. فهو صاحب الحنجرة الذهبية التى شغُف لسماعها الملايين داخل مصر وخارجها، وطبقت شهرته الآفاق حتى إن الأستاذ محمود السعدنى لقبه «بصوت عموم المسلمين» فى كتابه «ألحان السماء» الذى صدرت طبعته الأولى عام 1959.

 

وُلِد الفتى فى عام 1927 بقرية المراعزة مركز أرمنت وهى إحدى مُدن الصعيد الجوانى التى كانت تابعة لمُديرية قِنا (تتبع الآن محافظة الأقصر). وهى مدينة اشتُهرِت فى الحضارة المصرية القديمة، وارتبطت بها مُناسبات تاريخية مهمة، فيرى بعض المؤرخين أنها مكان مولد أخناتون، بينما أكد آخرون أنه ولد فى منف. وهى أيضًا المدينة التى وُلد بها سيدنا موسى، وبيع فى أسواقها سيدنا يوسف عندما كان طفلًا. وحافظت المدينة على مكانتها فى العهد الروماني، واستمرت مكانتها بعد دخول الإسلام وخصوصًا فى العهد الفاطمي.

نشأ الفتى فى بيئة دينية، وفى أُسرة عملت بحفظ القُرآن وتلاوته وتجويده، فكان والده وجده من مُقرئى القُرآن. لذلك، كان من الطبيعى أنه واثنين من إخوته- وهما محمود وعبدالحميد-أن يواصلا السير على هذا الدرب. التحق الفتى بكتاب الشيخ الأمير بأرمنت وهو فى السادسة من عمره، وأكمل حفظ القُرآن فى العاشرة. ثم واصل تعليمه على يد الشيخ محمد سليم حمادة بالمعهد الدينى بأرمنت ودرس على يديه القراءات السبع وعلوم القرآن وفنون التجويد. وفى هذه الفترة، حرص الفتى على الاستماع لتلاوة الشيخ محمد رفعت فى الإذاعة، فكان يذهب إلى الدكان الوحيد الذى امتلك جهاز مذياع فى المدينة للاستماع إليه يومى الثلاثاء والجمعة.

وبالتدريج، ذاع صيت الشيخ عبدالباسط فى قنا والمُديريات المُجاورة كأسوان وسوهاج وأسيوط، وقام بتلاوة القُرآن فى المآتم والمُناسبات الاجتماعية التى كان أهالى الصعيد يقومون بالاحتفال بها بقراءة القرآن مثل الزفاف والختان والميلاد. وذلك إضافة إلى إحياء ليالى رمضان والمولد النبوى والإسراء والمعراج، ومولد عبدالرحيم القناوى. وفى نهاية الأربعينيات، قدُم الفتى إلى القاهرة، وكان مُفتاح ذيوع شُهرته كقارئ متميز للقرآن مُناسبتان: الأولى، عندما شارك فى مجلس للمقرئين فى مسجد الإمام الحسين، وعندما جاء دوره للتلاوة، أبدع فى قراءة ربع من سورة النحل وأشاد الحاضرون بتلاوته. والثانية، قراءته فى مسجد السيدة زينب فى أسبوع الاحتفال بمولدها عام 1950، وهى مناسبة كانت تقتصر التلاوة فيها على كبار المقرئين فى القطر المصري. ورغم هذه المقارنة غير العادلة، فقد جاءت تلاوة الشاب القادم من الصعيد مبهرة ومحركة لأفئدة الآلاف من الذين اكتظ بهم المسجد، وارتفعت أصواتهم بالتكبير استحسانا لصوته. وفى 1951، بدأ المصريون يستمعون لصوته عبر أثير الإذاعة المصرية التى أجازته كقارئ فيها. وفى العام نفسه، دعاه إسماعيل رمزى وزير الأوقاف للتلاوة فى حفل افتتاح المسجد الجديد الذى أقامته الدولة فى مدينة بورسعيد فى حضور الملك فاروق. وفى عام 1952، عين الشيخ قارئا لمسجد الإمام الشافعي، وكان أول نقيب للقراء بعد إنشاء النقابة عام 1984. وفى العام التالي، اختير قارئا لمسجد الإمام الحسين خلفا للشيخ محمود على البنا. ومع أن الدنيا فتحت له أبوابها، وحرصه على أناقته وحسن ملبسه، فقد اتسم دوما بالتواضع ودماثة الخلق ومصادقة البسطاء، كما عرف بسرعة البديهة والدعابة مع أصدقائه والمقربين منه، وتحكى مذكرات هؤلاء عشرات المواقف الطريفة له.

جاب الشيخ عبدالباسط الدُنيا طولًا وعرضًا لتلاوة القُرآن، فكان خير سفير لكلمات الله بسبب عذوبة صوته والتزامه بقواعد التلاوة، إضافة إلى ما اتسم به من «طول النفس» الذى مكنه من قراءة صفحة كاملة من القرآن دون توقف.

وقد سافر إلى كُل الدول العربية تقريبًا، فسافر إلى السعودية فى 1952 لأداء فريضة الحج مع والده، فدعته الإذاعة السعودية لتسجيل تلاوته لآيات من القرآن، وقام بالقراءة فى الحرم المكى والمسجد النبوي. كما قرأ القرآن فى مجلس الملك سعود. وقرأ الشيخ أيضًا فى المسجد الأموى بدمشق، والمسجد الأقصى بالقدس، والمسجد الإبراهيمى بمدينة الخليل فى فلسطين. وسافر إلى العراق فى 1956بدعوة من حكومتها لإحياء مأتم الأميرة جليلة شقيقة الأمير عبدالاله الوصى على العرش. ثم زارها فى الستينيات لإحياء ليالى رمضان فى عهد الرئيس عبد السلام عارف.

سافر أيضا إلى عدد من الدول الأوروبية أبرزها بريطانيا وفرنسا، وإيضا الولايات المُتحدة حيثُ قرأ القُرآن فى المركز الإسلامى بمدينة لوس انجلوس، وزار 14 ولاية أمريكية، وأحيا رأس السنة الهجرية بمدينة لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا. وفى آسيا، زار الهند وباكستان وماليزيا وإندونيسيا والمالديف. وفى إفريقيا، زار الصومال ونيجيريا والسنغال وأوغندا. كما زار جنوب إفريقيا التى كانت ترزح تحت حكم الفصل العنصرى وقتذاك، وقرأ القرآن فى أكبر مدن الدولة جوهانسبرج، ثم انتقل إلى مدينة دربان وكان أول قارئ أجنبى للقرآن يزورها، فاحتشد الآلاف فى مطار المدينة احتفالا بالقارئ المصرى وتكريما له. وتقديرا للشيخ، كرمته دول عديدة ومنحته أعلى أوسمتها، ومنها سوريا ولبنان، والعراق، والمغرب، وماليزيا، والسنغال وباكستان. وكرمته مصر بعد وفاته فى الاحتفال بليلة القدر فى 1990.

توفى الشيخ فى نوفمبر 1988، وعادت الروح إلى خالقها، لكن بقى صوته يصدح فى سماء دولة التلاوة من خلال تسجيله للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم الذى تبثه إذاعة القرآن الكريم بشكل منتظم مرة كل أسبوعين، وتسجيله للمصحف المجود، وعشرات التسجيلات التى تبثها مختلف شبكات الإذاعة والتليفزيون فى البلاد العربية والإسلامية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية