تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

المصريون فى حالة صيام

يبدأ غدًا الاثنين 11 مارس 2024، صيام المسلمين خلال شهر رمضان الكريم الذى يستمر ثلاثين يومًا، وصيام الأقباط «الصوم الكبير» الذى يستمر لخمسة وخمسين يومًا. وهكذا، فإن كل أبناء الشعب المصرى فى حالة صيام لعدة أسابيع تنتهى عند المسلمين بعيد الفطر المبارك، وعند الأقباط بعيد القيامة المجيد الذى يرتبط بيوم شم النسيم، ويحتفل به كل المصريين وترجع جذوره إلى الحضارة المصرية القديمة.

 

ولعل ذلك يوفر مناسبة للتأمل فى عادات وتقاليد المصريين فى أيام الصيام. فبالنسبة لشهر رمضان عند المسلمين، فإن صيامه فرض شرعي، وهو الشهر الذى أُنزل فيه القرآن، وتحل فيه ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر، وهو شهر بهجة وفرح وسرور، وأيضا شهر تآخ وكرم يزداد فيه استهلاك الطعام والحلوى بكل أنواعها وأشكالها، فتقام موائد الرحمن فى كثير من الأماكن، وتمتلئ المساجد بالمصلين وخصوصا أداء صلاة «التراويح»، وهى سنة تعود إلى عهد الرسول، ثم قام الخليفة الثانى عمر بن الخطاب بتقنينها وتنظيم أدائها. كما تعم الزينات والأضواء فى الشوارع، ويحمل الأطفال الفوانيس، ويتجمع الناس فى الأسواق والمقاهي.

يصوم المسلمون أيضا فى غير شهر رمضان، فهناك من يصوم وفاء لنذر تعهد به، والصيام يومى الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر هجري، وصيام أول أيام شهر رجب ومنتصفه و27 منه، وصيام ستة أيام من شهر شوال متتالية أو متقطعة، وصيام يوم عاشوراء، وصيام تسعة أيام من شهر ذى الحجة، ويوم وقفة عرفه لغير من يقومون بفريضة الحج، وذلك اتباعا للسنة، ويسمى الفقهاء هذا الصيام بصيام التطوع. وفى المقابل، هناك أيام يُحرمُ على المسلمين صيامها كاليوم الأول من عيدى الفطر والأضحى، ويوم الجمعة منفردا.

ولا تختلف الصورة كثيرا عند الأقباط، إذ تتعدد أيام وشهور الصيام لديهم، والتى يكون عليهم الامتناع فيهاعن الطعام والشراب لفترة يتناول الصائم بعدها أطعمة نباتية خالية من الدسم الحيواني، ويصل إجمالى أيام الصوم إلى أكثر من 250 يوما فى السنة. وتشمل الصوم الكبير الذى يبدأ غدًا وينتهى فى 5 مايو المقبل، وصيام يونان (نينوى) ومدته ثلاثة أيام ويسبق الصوم الكبير بأسبوعين.

أضف إلى ذلك، صيام الميلاد الذى يبدأ فى 25 نوفمبر من كل عام وينتهى يوم 7 يناير بعيد الميلاد المجيد، وهو اليوم الذى تقرر فى عهد الرئيس حسنى مبارك أن يُصبح عيدًا وطنيًا وإجازة رسمية لكل المصريين، وهو العيد الذى يحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على حضور القداس وتهنئة قداسة البابا تأكيدا لمعنى المواطنة. وجدير بالذكر، أنه أول رئيس دولة مصرى يقوم بذلك. ويرتبط هذا العيد عند الأقباط بالبهجة والسرور، فتشترى الأسر الملابس الجديدة لأطفالها، وتعد الحلوى والكعك وتقيم شجرة عيد الميلاد وتضع الهدايا بجانبها لكى يجدها الأطفال عند استيقاظهم فى الصباح، وتتجمع الأسر احتفالا بالعيد وتناول الطعام وخصوصا اللحوم التى كانت ممنوعة عليهم لمدة 43 يوما، ويقدم الكبار العيدية للأطفال. هناك أيضا، صيام الرسل الذى تختلف أيامه من عام لآخر، فلا تقل عن خمسة عشر يوما ولا تزيد على ثمانية وأربعين يوما، على أن ينتهى فى يوم 12 يوليو الذى يوافق عيد الرسل. وصيام السيدة العذراء ومدته خمسة عشر يوما تبدأ فى 7 أغسطس حتى 22 منه وينتهى بعيد السيدة العذراء، وصيام يومى الأربعاء والجمعة من كل أسبوع.

وتتقارب الدلالات الأخلاقية والاجتماعية للصيام فى الإسلام والمسيحية، فهو ممارسة للتقشف والنسك وجهاد النفس، وهو أيضا بُعد عن الملذات، وقمع للأهواء والشهوات، وتقرب إلى الله، وتطلع إلى رحمته ومغفرته. يؤدى الصيام أيضا، إلى حالة من التراحم الاجتماعى والتقارب بين فئات المجتمع وطبقاته الذين يتشاركون فيه. ولهذه الاعتبارات، يوجد طقس الصيام فى اليهودية أيضا، فيصوم اليهود ستة أيام فى السنة، كما يوجد فى الديانات غير السماوية كالهندوسية والبوذية والكونفوشيوسية.

يعتبر الحرص على الصيام كممارسة دينية واجتماعية جزءا من الشخصية المصرية على مر العصور. يرجعها البعض إلى أن المصريين القدماء آمنوا بوحدانية الله وكانوا من الموحدين، وأن الصوم هو تقليد مصرى راسخ وقديم، للتقرب من الله وتهذيب النفوس، واحتفالًا ببعض المناسبات كوفاء النيل والحصاد وبداية السنة الجديدة، وكان هناك نوعان من الصيام الأول لفئة الكهنة والثانى لعامة الشعب.

وأرجعها البعض الآخر، إلى طغيان الأجانب وسيطرتهم على حياة المصريين الذين تعرضوا لمظالم حكامهم، مما دفعهم إلى البحث عن العدالة فى السماء، من خلال الصلاة والصيام والتردد على الموالد كمولد السيدة زينب «أم العواجز» بمدينة القاهرة، ومولد القديسة دميانة بمركز بلقاس محافظة الدقهلية. وتوسل المصريين بأولياء الله الصالحين للشكوى وقضاء الحوائج.

ووصل الأمر ببعضهم إلى كتابة الرسائل لهم، فدرس عالم الاجتماع د. سيد عويس رسائل المصريين إلى الإمام الشافعى فى كتاب له بعنوان «من ملامح المجتمع المصرى المعاصر» رصد فيه أكثر من 160 رسالة تطلب من الإمام الشفاعة فى قضاء الحوائج ورفع الظلم. كما درس الباحث سليمان شفيق رسائل المصريين إلى البابا كيرلس السادس، الذى تولى البابوية خلال الفترة من 1959-1971، والتى حملت تطلعاتهم وشكاواهم. علاقة المصريين بالصوم علاقة مركبة تطورت عبر العصور، فيها العبادة والروحانيات، وفيها البهجة والسرور الذى يرتبط عادة بالطعام والحلوى، وفيها الترابط الأسرى والاجتماعي، وكلها يشترك فيها المسلمون والأقباط، فهى أحد جوانب التعبير عن «المعيشة المشتركة» التى انخرطوا فيها، والتى أوجدت الشعب الواحد والوطن الواحد.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية