تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. علي الدين هلال > المخاوف والتوقعات بين عام مضى وآخر قادم

المخاوف والتوقعات بين عام مضى وآخر قادم

كانت سنوات العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين كئيبة وصعبة. فما كاد العالم يبدأ فى التعافى من آثار جائحة كوفيد 19 حتى صدمته الحرب الروسية فى أوكرانيا فى فبراير 2022 ثُم شهدت المنطقة العربية نشوب حربين فى عام 2023 هُما الحرب الداخلية فى السودان فى 15 إبريل، والحرب الإسرائيلية على غزة فى 8 أكتوبر. وفى عام 2024، اتسع نطاق الحروب الثلاث، وامتد نطاقها الجغرافي، وازدادت نوعية الأسلحة المستخدمة فيها فتكًا. وانتهى العام بالسقوط السريع والمُفاجئ للنظام الحاكم فى سوريا وسيطرة قوات «جبهة تحرير الشام» وحُلفائها من الفصائل المعارضة على البلاد وبداية مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر والتوقعات. وفى المُقابل، شارك ما يُقارب نصف سُكان العالم فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية فى نحو 65 دولة مما جعلها سنة الانتخابات فى هذا القرن.

فى عام 2024 أيضًا، ارتفع عدد اللاجئين من 117.31 مليون إلى 122.6 مليون شخص أى بزيادة 5.29 مليون، وفقًا لأرقام المفوضة السامية للأمم المُتحدة لشئون اللاجئين. وبلغ عدد النازحين أى الذين اضطروا لمُغادرة ديارهم، والانتقال من مكان لآخر داخل البلد الواحد نحو 75.9 مليون، وفقًا لإحصاءات المركز النرويجى للنزوح العالمي. وقد كان منهم 9.1 مليون فى السودان التى تصدرت القائمة على المستوى العالمي، يليها سوريا فى المرتبة الثانية بعدد 7.2 مليون، ويليها فى المرتبة الخامسة اليمن بعدد 4.5 مليون.وبلغ عدد الأفراد الذين يُعانون الفقر المُدقع 690 مليونا، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو). وبسبب التغيرات المُناخية، سجل العالم أعلى مُعدل لارتفاع درجات الحرارة.

على المُستوى الدولي، ينتظر العالم ما سوف يحدُثُ يوم 20 يناير 2025، عندما يُقسم الرئيس المُنتخب دونالد ترامب اليمين الدستوري، ويُلقى خطاب تسلمه السُلطة والأوامر التنفيذية التى وعد بإصدارها فى أول أيام حكمه. ويعود هذا الترقُب العالمى إلى سِمات الرئيس الجديد الذى يعتز بقُدرته على حل الأزمات، بل ومنعها من الحدوث أصلًا. فوعد بأنه سوف يُنهى الحرب الروسية فى أوكرانيا، وهدد بأنه إذا لم يتم الإفراج عن المُحتجزين لدى حركة حماس فإن أبواب الجحيم سوف تُفتح على الشرق الأوسط. كما هدد باستعادة قناة بنما إذا لم تُخفض حكومتها رسوم مرور السُفن الأمريكية فيها والتى تُعتبر أكبر مُستخدم لها.

وفى نفس السياق، توعد دول الاتحاد الأوروبى بفرض رسوم جمركية على صادراتها لأمريكا ما لم تقُم بزيادة مُشترياتها من النفط والغاز الأمريكي. وهو شخصية حازمة وحاسمة، يتحدث بلغة غير منمقة،ولا يتردد فى تسمية الأشياء بأكثر الألفاظ صراحة وقسوة. ثُم إنه شخصية انفعالية مُتقلبة لا تلتزم بتقارير أجهزة الدولة وتوصياتها، وسوف يُساعده فى ذلك غياب التوازن بين السُلطات فى عهده. فإلى جانب توليه منصب الرئاسة، يشغل أنصاره الأغلبية فى مجلسى النواب والشيوخ. ويحظى بمُباركة أعضاء المحكمة الفيدرالية العُليا.

يترافق ذلك مع أزمة سياسية عميقة فى أكبر دولتين من دول الاتحاد الأوروبي. إذ قرر البرلمان الفرنسى سحب الثقة من رئيس الوزراء السابق، ميشال بارنييه، وتم تشكيل وزارة جديدة برئاسة فرنسوا بايرو رئيس حزب الحركة الديمقراطية الأقرب إلى اليمين. وحتى كتابة هذه السطور، لم يكُن البرلمان قد صوت للموافقة عليها. وتنتظر ألمانيا، الانتخابات البرلمانية المُقرر عقدها فى 23 فبراير 2025، بعد انهيار الائتلاف الحاكم، وقرر البرلمان الألماني، البوندستاج، سحب الثقة من الحكومة.

يحدُث ذلك فى ظروف اقتصادية صعبة تتسم بالتضخم وارتفاع الأسعار الأمر الذى أدى إلى انخفاض مبيعات الهدايا بمُناسبة أعياد الميلاد حسبما أشار أكثر من تقرير عن الأمم المُتحدة، وظروف سياسية أهم معالمها ازدياد شعبية ونفوذ الأحزاب الشعبوية ذات الاتجاه اليمينى المُتطرف، والذى تمثل فى عام 2024 فى ازدياد عدد المقاعد التى حصلت عليها هذه الأحزاب فى انتخابات البرلمان الأوروبي، وفى تصدر حزب الجبهة الوطنية الذى تترأسه، مارين لوبان، والأحزاب المُتحالفة معه نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية، وفى المكاسب التى حققها حزب البديل من أجل ألمانيا فى الانتخابات المحلية فى شرق ألمانيا.

لا يُمكن الفصل بين التطورات التى تحدُث على قمة النظام الدولي، وتِلك التى تشهدها المناطق المُختلفة ومنها الشرق الأوسط. إذ تقف المنطقة على مُفترق طُرق وذلك انتظارًا لما سوف تُسفر عنه الأحداث فى سوريا. فسوريا تشغل موقعًا استراتيجيًا مهما بحكم أنها تجاور ثلاث دول عربية هى العراق والأردن ولُبنان، ودولتين غير عربيتين هُما تُركيا وإسرائيل. وعلى أرضها، توجد قوات روسية وأمريكية وتركية ومُقاتلون أجانب من عديد من الدول. هذا بالطبع إلى جانب قوات سوريا الديمُقراطية (قسد)، والميليشيات العسكرية التى حاربت ضد النظام السابق.

وفى ضوء الأحداث المُتلاحقة بعد يوم 8 ديسمبر، وهو تاريخ دخول تلك القوات العاصمة دمشق، فإن هناك تحديات عديدة منها إقامة جيش وطنى مُحترف مؤسس على عناصر من تلك الميليشيات، والصراعات بين تلك الميليشيات على المناصب إن لم يكُن على المُستوى المركزى فعلى المُستويات المحلية، ومُستقبل القوات الكُردية، التى حافظت على مصادر دعمها الخارجي، والعلاقات بين المُكونات الطائفية والمذهبية. وهناك أيضًا تحديات إقامة نظام حُكم جديد يقوم على سيادة القانون ومُشاركة مُختلف التكوينات الاجتماعية والطائفية، والمُساواة فى الفرص والواجبات، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، والاحتلال الإسرائيلى لأجزاء من أراضى الدولة. أضف إلى ذلك انتهاك إسرائيل للاتفاق الذى أبرمته مع الحكومة اللُبنانية ومماطلتها فى التوصل إلى اتفاق مع حركة حماس وتصميم تُركيا على ترتيب الأوضاع فى شمال سوريا بما يُحقق مصالحها.

يبدأ العالم العام الجديد وهو فى حالة سيولة يُمكن أن تقوده فى أكثر من اتجاه، وكُل دولة تدرس الاحتمالات المُختلفة وتُخطط لحماية مصالحها الوطنية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية