تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
العالم السياسى لترامب
كتم العالم أنفاسه فى الأيام السابقة على دخول الرئيس المُنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض فى 20 يناير 2025، وها هو اليوم يلهث وهو يتابع التصريحات التى يدلى بها، والأوامر التنفيذية التى يوقعها وتثير دوائر متسعة من التحفز والنقد والرفض، بشأن عديد من الموضوعات الداخلية والخارجية. ورغم أنه لم يمض على رئاسته سوى عشرين يومًا، فقد نجح فى إيجاد حالة من الإثارة والتوتر فى العالم مع الأصدقاء والخصوم على حد سواء.
فعلى مستوى الحلفاء والأصدقاء، تم فرض رسوم جمركية على الواردات من المكسيك وكندا والتى جمد تنفيذها لمدة شهر، وهدد بإعادة سيطرة أمريكا على إدارة قناة بنما، وطالب بشراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك، واستخدم خريطة تظهر فيها كندا كجزء من الولايات المتحدة باعتبارها الولاية رقم 51، رغم أن لكندا تاريخها الخاص بها والتى تكونت ككيان سياسى فى يوليو 1867، وأصدر أوامره بتغيير اسم خليج المكسيك ليكون خليج أمريكا مع أن هذا الاسم أطلقه المستكشفون الإسبان فى القرن السادس عشر وقبل تأسيس أمريكا، وإرسال طائرتين مليئتين بالمهاجرين الكولومبيين إلى بلادهم دون تشاور مع رئيستها مما أدى بالأخيرة إلى إغلاق المجال الجوى لبلادها، وهدد بفرض رسوم جمركية على دول الاتحاد الأوروبى إذا لم تقم بزيادة مشترياتها من واشنطن.
وأدت تصريحاته بشأن تهجير أهالى غزة إلى مصر والأردن إلى رفض البلدين للفكرة، ثم جاءت تصريحاته الصادمة يوم مقابلته مع رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو فى 4 فبراير الحالى، والتى أشار فيها إلى أن أمريكا سوف تسيطر على غزة وتحولها إلى منطقة سياحية عالمية، ولم يستبعد استخدام القوة العسكرية الأمريكية إذا تطلب الأمر ذلك، وكذلك حديثه عن إسرائيل متناهية الصغر، مما يبرر لها ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها. وكلها مواقف معادية لشركاء أمريكا من الدول العربية والإسلامية. وعلى مستوى الخصوم والمنافسين، فرض رسوما جمركية على الواردات من الصين، ووجه تهديدات قوية لإيران وصلت إلى حد القضاء عليها إذا خططت لاغتياله.
فى ضوء ما تقدم، كيف نفهم ترامب وعالمه السياسي؟
نقطة البدء هى شخصية ترامب، فهو رجل شديد الاعتزاز بنفسه والثقة فى قدرته على تحقيق أهدافه. وبعد نجاحه فى الفوز بولاية رئاسية ثانية، يتملكه شعور بالقوة. يدعم من ذلك، اعتبار موضوعى وهو فوزه بمقاعد المجمع الانتخابى فى أغلبية الولايات، وسيطرة الحزب الجمهورى على أغلبية المقاعد فى مجلسى النواب والشيوخ بما يعنى أن سياساته سوف تحظى بتأييد الهيئة التشريعية. يدعم من ذلك أيضا، إدراك ترامب بأن مؤسسات الدولة الأمريكية لا تمثل قيدا عليه، وأنه يتمتع بحرية كبيرة فى اتخاذ القرار، خاصة أنه اختار معاونيه فى الجهاز التنفيذى من خارج هذه المؤسسات، فهم لم يعملوا فيها ولا يشاركوا ثقافتها وتقاليدها. نفس الشيء ينطبق على ترامب نفسه، فقبل أن ينتخب رئيسا فى عام 2017 لم يكن قد تولى أى منصب تنفيذى أو انتخب فى أى منصب تشريعي. ولذلك فهو لا يشعر بأى حرج فى انتقاد هذه المؤسسات، والسعى إلى تغييرها، والتقليل من أدوارها ومهامها، وهو ما ظهر فى قراره بتقليص عدد الموظفين الحكوميين، ووقف كل المنح والقروض التى تقدمها الهيئات الفيدرالية، مما أثر على عمل هيئة المعونة الأمريكية فى العالم، بل والدعوة لإلغائها تمامًا. فى المُقابل، يشعر بأنه أكثر قُربًا من ثقافة وأفكار رجال الأعمال، وهو ما يفسر ثقته البالغة فى الملياردير إيلون ماسك، وفى الظهور البارز لأباطرة قطاع المعلومات والاتصالات فى حفل تنصيبه.
نفهم العالم السياسى للرجل أيضًا من خلال تاريخه ومساره المهنى كرجل أعمال ناجح، يجيد عقد الصفقات وينظر إلى القضايا المختلفة الاقتصادية والسياسية باعتبارها صفقات، ينبغى التفاوض بشأنها والحصول على أكبر قدر من المكاسب منها. ويتطلب النجاح فى عقد الصفقات الخيال فى تحديد الأهداف، واتخاذ موقف المبادأة والمباغتة بهدف مفاجأة وإرباك الأطراف الأخرى، ثُم المغالاة فى عرض المطالب والأهداف فى البداية، وعندما تبدأ المفاوضات يقلل منها فيبدو وكأنه قدم تنازلات، بينما يكون فى الواقع قد حقق أهدافه الحقيقية.
ويترتب على ذلك أن الهدف الأسمى لدى ترامب هو تنفيذ ما يعتقد فيه بأى طريقه. يبدو هذا فى عدم تقديره لدور المؤسسات فى أمريكا، وعدم اتباعه للتقاليد السياسية والدبلوماسية المألوفة، وعدم احترام قواعد القانون الدولى ومبدأ سيادة الدول، وحق الشعوب فى تقرير المصير، وهى المبادئ والحقوق التى اهتدى إليها العالم بعد قرون من الحروب والصراعات، حتى تبلورت فى ميثاق الأمم المتحدة والنظام الدولى فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذى أصبحت الولايات المتحدة أحد أركانه الأساسية ثم قائدته. وبينما يقوم هذا النظام الدولى على أسس وقواعد، وعلى أنه نظام متعدد الأطراف، فإن ممارسات ترامب الأُحادية تهدد بتقويض هذا النظام، وتوسيع دائرة الفوضى وعدم الاستقرار فى العالم، وزيادة نسبة اللا يقين فى العلاقات الدولية. ومن ذلك، إعلانه الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ومن منظمة الصحة العالمية، ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ووكالة الأونروا التى تُعتبر أمريكا أكبر مانح لها. والهدف الذى أعلنه ترامب شعارًا لعهده هو استعادة العظمة الأمريكية، وتكريس التفوق الاقتصادى والعسكرى والتكنولوجى لبلاده. ودشن بعد يومين فقط من تسلمه للحكم مشروعًا عملاقًا حمل اسم «بوابة النجوم» بموازنة نصف تريليون دولار، لدعم التقدم الأمريكى فى مجال الذكاء الاصطناعي.
فماذا يعنى هذا لنا فى مصر والبلاد العربية؟ وكيف يُمكننا التعامل معه؟ وهو ما سوف أتناوله فى مقال الأسبوع القادم إن شاء الله.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية