تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
السيدة سُكينة رمز السكون والهدوء
أكتب اليوم عن مسجد آخر من مساجد أهل البيت فى مصر وهو مسجد السيدة سُكينة الذى يوجد فى 1 شارع الأشراف بحى الخليفة، وتعبير سُكينة هو لقب أطلقته أمها عليها لما وجدته من سكون الناس إليها ومحبتهم لها. ويحمل لفظ سُكينة فى اللغة العربية معانى الطمأنينة، والاستقرار، والحُلم والرضا. أما اسمها الحقيقى فهو آمنة بنت الحسين بن علي، ويرجع تاريخ مولدها إلى نحو عام 47 هجرية. وقد سميت بهذا الاسم تيمنا باسم جدتها السيدة آمنة أم الرسول الكريم. وأمها رباب بنت امرؤ القيس أشهر شعراء العرب قبل الإسلام، ويعتبره البعض رأس الشعراء العرب، وتُعد أُسرتها من سادة قُريش.
شهدت السيدة سُكينة مصرع والدها فى كربلاء، وتحملت مع عمتها السيدة زينب وغيرهن من آل البيت مصاعب الحياة التى ألمت بهم، عاشت مع بقية أهلها فى المدينة المنورة وقد عُرفت بفصاحة اللسان وقرض الشعر، فكتبت فى رثاء أبيها:
يا عين فاحتفلى طول الحياة دما
لا تبك ولدا ولا أهلا ولا رفقة
لكن على ابن رسول الله فانسكبى
دما وقيحا وفى إثريهما العلقة
كانت دارها مقصدا للشعراء والأدباء، فاجتمع فى مجلسها كبار شُعراء العرب مثل جرير وهو أبوحرزة جرير البصري، والفرزدق وهو أبو فراس همام البصري، وكثير عزه الخزاعي... فكانت تجلس فى مكان ترى منه الحضور دون أن يشاهدوها وتواصلت معهم من خلال وصيفتها التى كانت تخرج عليهم لإبلاغهم بتعليقات السيدة سُكينة على أشعارهم.
اشتهرت سُكينة بالجود والكرم فأنشأت فى المدينة «دارا للأضياف»، وتحلت بالشجاعة ورباطة الجأش، كما اشتهرت أيضًا بالزهد والورع والتقوى والبعد عن زخارف الحياة. ويروى أن أباها الحسين وصفها بأنها مستغرقة فى حب الله.
تختلف المصادر التاريخية حول سبب قدوم السيدة سكينة إلى مصر، وعدد مرات وجودها بمصر، اختلافات بينة وصلت لدى البعض إلى حد إنكار حضورها أصلاً إلى مصر ودفنها فيها. والأرجح، لدى المؤرخين المصريين أنها وصلت إلى مصر فى نحو عام 86هــ بعد أن خطبها والى مصر عبدالعزيز بن مروان بن الحكم، وشهرته أبوالأصبغ المدني، من أخيها على زين العابدين الذى بعث بها من المدينة المنورة إلى مدينة الفسطاط. فنزلت فى منزل، بمنطقة فى شمال المدينة فيما يُعرف الآن بحى المطرية. ولكن الأصبغ فارق الحياة قبل إتمام الزواج، فعادت إلى المدينة حتى زواجها من إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وشهرته أبو محمد، فقدُمت إلى مصر واستقرت فى سكن آخر كان يملكه أحد أبناء بنى هاشم، عاشت فيه حتى وفاتها فى يوم الخميس 5 ربيع الأول عام 117 هجرية، عن عمر يُناهز السبعين وهو المكان الذى يوجد فيه ضريحها ومسجدها، وكان هذا فى عهد الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك.
اهتم خلفاء الدولة الفاطمية بمساجد آل البيت فأمر الخليفة السادس الحاكم بأمر الله بتشييد عمارة المسجد فى عام 1011 هجرية، وأمر الخليفة العاشر الآمر بأحكام الله بتجديده ضمن مساجد الأشراف بالقاهرة ووضع شاهد على كل مسجد أو ضريح باسم صاحبه. واستمرت عمليات التجديد فى العهود المتتالية حتى العصر العثماني. ففى عهد على بك الكبير، قام الأمير عبد الرحمن كتخدا فى 1760م بتوسيع الضريح وإعادة بناء المسجد، وكتب على شاهده:
حرم يابنت الحسين مؤرخ
لسكينة تصبو المواهب كلها
ذا مسجد يا آل طه مؤرخ
شمس هدى بنت الحسين سكينة
كان الضريح منخفضا عن سطح أرض المسجد وحتى عهد والى مصر عباس حلمى الأول، فأمر برفعه إلى مستوى سطح المسجد وأقام مقصورة من النحاس على الضريح، وهى الموجودة حتى الآن، كانت مماثلة لنظيرتها فى مسجد السيدة نفيسة، وكُتب عليها:
مقصورة أتقنت لله صنعتها
تستوجب الشكر عند الله والناس
تذيع همة منشيها مؤرخة
من بعض طيب إحسان لعباس
ثم أمر الخديو عباس حلمى الثانى نظارة الأوقاف بتجديده فى عام 1904 على الطراز المعمارى المملوكي، وأقيمت له مئذنة وقبة امتازت بضخامتها وزخارفها الرائعة، كما أصبح للمسجد ثلاثة أبواب يدخل منها المصلون، سُجل على كل منها عبارة «جُدد هذا المسجد المبارك فى عصر خديو مصر عباس حلمى الثانى أدام الله أيامه سنة 1322 هـ». ويضيف على مبارك فى الخُطط التوفيقية أن المسجد يشتمل على «6 أعمدة من الرخام ومنبر من الخشب النقى وضريح من النحاس الأصفر». وحسب تعبيره، فإنه «مجلل بالبهاء والنور».
كانت حياة السيدة سُكينة وشخصيتها موضوعًا لعدد من الكُتب أبرزها كتاب دكتورة عائشة عبد الرحمن، الشهيرة ببنت الشاطئ، بعنوان «سُكينة بنت الحُسين»، الذى صدر عن دار الهلال وكتب مُقدمته الأستاذ أمين الخولي، وكتاب الأستاذ عبدالمنعم الهاشمى الصادر بنفس العنوان عن نفس الدار، وكتاب الأستاذ السيد محمد على الحلو بعنوان «عقيلة قُريش: آمنة بنت الحُسين المُلقبة بسكينة»، ورواية الأستاذ متيم جمال بعنوان «أميرات منسيات: عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحُسين».
يحتفل مريدو السيدة سُكينة ومُحبوها، خاصة من أبناء الطُرق الصوفية بمولدها كُل عام فى احتفالات حاشدة تستمر لعدة أيام كان آخرها فى 11 نوفمبر 2024. ومن الجدير بالذكر، أن وزارة الأوقاف تحرص على تجديد المسجد وصيانته. وفى يوم الجمعة الموافق 28 فبراير 2025 قام وزير الأوقاف د. أسامة الأزهرى بأداء الصلاة، وتفقد المسجد للتأكد من جاهزيته لاستقبال المُصلين فى شهر رمضان.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية