تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
السيدة زينب زهرة بنى هاشم
يعد مسجد السيدة زينب بمدينة القاهرة فى الحى الذى سُمى باسمها من أشهر مساجد أهل البيت فى مصر المحروسة. وعندما يذكر المصريون كلمة «السيدة» مجردة، فإنهم يشيرون إلى السيدة زينب، لعظمة قدرها وجلالة مكانتها فى نفوسهم. فهى بحكم نسبها، ثالث أبناء فاطمة الزهراء ابنة الرسول وعلى ابن عمه، كما أنها شقيقة الحسن والحسين. وسماها الرسول عليه السلام تيمنا باسم ابنته الكبرى.
يرجح المؤرخون أنها ولدت فى شهر جمادى الأولى عام 5 هجريا، وتوفيت فى شهر رجب عام 62 هجريا. عاشت حياة صعبة وشاقة، وتعرضت من طفولتها لشدائد الأحداث. فقد شهدت وفاة جدها وهى فى سن الخامسة، ثم أمها بعده بستة أشهر، وقتل أبيها بسيف مسموم بيد أحد الخوارج، واستشهاد أخويها الحسن بالسم، والحسين فى موقعة كربلاء، والتى استشهد فيها أيضا ابنها عون.
امتلكت السيدة زينب إرادة قوية وشجاعة نادرة، وكانت كلماتها واحتجاجاتها فى كربلاء والكوفة والشام والمدينة المنورة إعلاءً لصوت الحق، وشحذاً لهمم الرجال، ودفاعاً عن آل البيت دون خوف، حتى وهى فى أسر الأمويين.
تبحرت أيضًا فى علوم الدين، التى تعلمتها على يد والدها وغيره من آل البيت، فكانت العالمة بدقائق أحكام الشريعة. وعلى مدى سنوات حياتها، أُطلِق عليها ألقاب الطاهرة، والصابرة، والعقيلة وهى الكريمة من النساء.وأُطلق عليها الحوراء لفرط جمالها، فذكر عبدالله بن أيوب الأنصارى «فو الله ما رأيت مثلها وجها كأنه شقة قمر»، ووصفها الطبرى بانها «كالشمس الطالعة». كما سميت بأم اليتامى وأم العواجز لاهتمامها بهم وإنفاقها عليهم، ولقبت بأم هاشم لكرمها وتشبها بهاشم الجد الأكبر للرسول.
بعد موقعة كربلاء، عادت السيدة زينب إلى المدينة، استمرت فى انتقاد حكم الأمويين، فخشوا من التفاف الناس حول أهل البيت وانقلابهم عليهم، فطلب منها والى المدينة المغادرة إلى حيث تشاء. رفضت الفكرة فى البداية، فأقنعها نساء بنى هاشم بالعدول عن ذلك، فاختارت مصر وجاء معها فاطمة وسكينة ابنتا الحسين.
استقبلها المصريون فى الفسطاط بالفرح والترحاب، وفى مقدمتهم الوالى مسلمة بن مخلد الأنصاري، الذى قدم بيته مسكنا لها حيث أقامت فيه، وتوافد عليها أهل العلم وأحباب أهل البيت للاستفادة من علمها، حتى وفاتها فى العام التالي، وأقيم ضريحها فى نفس المكان.
تشير الدراسات إلى أن بناء المسجد كان بعد أكثر من عشرين عاما، نحو عام 85 هجريًا. وتمت إعادة بناء المسجد وتوسعته وتزيينه على يد أول خلفاء الدولة الفاطمية المعز لدين الله. وفى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، أُعيد ترميمه على يد الأمير عبدالرحمن كتخدا فى عهد على بك الكبير عام 1768. ويسجل عبدالرحمن الجبرتى فى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» الصادر عام 1820، انه عقب الحملة الفرنسية، تكاتف المصريون من مختلف الطوائف والحرف لإعادة بناء المشهد الزينبي، وشارك فى الاحتفالات بالطبول والزمر وفد من الأقباط برئاسة المعلم جرجس الجوهري. وأُعيد ترميمه مرة أُخرى فى عهد الخديو توفيق عامى 1884-1885، ووصفه على مبارك فى كتابه «الخطط التوفيقية» الصادر عام1886، بان عليه «مقصورة من النحاس الأصفر، وستر من الحرير المزركش»، ويضيف انه عندما كان ناظرا «أى وزيرا» للأوقاف، «عمل تصميما على إزالة جميع التلول الموجودة بطول الشارع من بوابة السيدة زينب إلى مصر العتيقة».
مع تدهور حالة المسجد، قامت الحكومة المصرية عام 1940 بتوسعته من الجهة القبلية، وافتتحه الملك فاروق وأدى صلاة الجمعة فيه عام1942. وفى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، قامت وزارة الأوقاف بتوسعة المسجد عام 1969 حتى يتسع لعدد أكبر من المصلين.
ينظر أهالى حى السيدة زينب إلى مسجد السيدة باعتباره رمزا لمنطقتهم، ومركزا روحيا لها، وانتشرت سمعة المسجد فى عموم البلاد، وتم تقديم أعمال الخير والخدمات حول المسجد، مثل إطعام زواره وفقراء أهالى الحى وتوزيع المياه عليهم. وإبان ثورة 1919، اتفقت السيدات المُسلمات والأقباط على الاجتماع بالمسجد يوم 24 أبريل من أجل المطالبة بالاستقلال. وشاع مثل مصرى طريف «والنبى لأكنس السيدة عليك»، وفى صياغة أُخرى «هاكنس مقام السيدة عليك»، وهو تعبير يشير إلى الغضب والوعيد، بمعنى أن المصرى عندما يشعر بالظلم أو التعسف فى قضاء حاجته، فانه يقوم بكنس أرض المسجد أملًا فى إزالة هذا الظلم.
يسجل الجبرتى احتفال المصرين بمولد السيدة زينب، وان لها حضرتين الأولى يوم الأحد والثانية ليلة الأربعاء. وفى المولد حتى الآن، يقرأ القرآن وتُقَام الأذكار، ويتدفق إلى المنطقة عشرات الآلاف من المصريين الذين يفترشون الأرض، ويضيق بهم المكان. وأتذكر أننى عندما عملت وزيرًا للشباب، كان نواب البرلمان عن الدائرة يطلبون منى فتح ساحات مراكز الشباب لإقامة ضيوف السيدة فيها.
وفى المولد، يستمع ضيوف السيدة إلى أغانى الشيخ مصطفى جمال عن «أم الحنان يا سيدة زينب»، وآمنة الزينبية عن «ياناس ياللى هنا»، وأغنية فرقة الحضرة «ياسيدة زينب يا زهرة آل البيت»، وأغانى الشيخ عليوة فى مديحها.
فى مايو 2024، افتتح السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى ومفضل سيف الدين سلطان طائفة البهرة فى الهند، المسجد بعد تطويره وتجديده بشكل شامل، بحيث أصبح المسجد اليوم آية فى الروعة والجمال والفخامة، فتكتسى ساحته الخارجية بأفضل أنواع الجرانيت، وحوائطه الداخلية بلوحات من الخشب والرخام، والخارجية بالحجر المزخرف، واكتسى المحراب الرئيسى فى منتصف المسجد بأروع وأنقى أنواع الرخام الذى نقشت عليه آيات قرآنية، وزُين المقام بأنفس الأحجار الكريمة.
ويبقى مسجد السيدة زينب مثالا للعمارة الإسلامية، ودُرة مساجد أهل البيت.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية