تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
السياسة والمونديال
على مدى شهر، جذبت مباريات كأس العالم لكرة القدم اهتمام العالم كله بحكم الشعبية الجارفة التى تحظى بها الساحرة المستديرة. ولذلك، فقد كان لمباريات كأس العالم أبعادها السياسية على كل المستويات. وإذا أخذنا الرئيس الأمريكى بايدن على سبيل المثال، فقد قام بالاحتفال بالبيت الأبيض بفوز فريق بلاده على الفريق الإيراني. وبالطبع، فإن هذا الاحتفال له دلالته السياسية وسُيمكن لنا أن نتخيل ماذا كان سيحدثُ فى إيران لو هزم فريقها المُنتخب الأمريكي.
وخلال استضافة واشنطن للقمة الأمريكية ـــ الإفريقية، فقد وجد الرئيس الأمريكى الوقت لكى يتابع مع عدد من الزعماء الأفارقة مباراة نصف النهائى بين المغرب وفرنسا. وحرص الرئيس الفرنسى ماكرون على الحضور بنفسه لتشجيع فريق بلاده فى المُباريات النهائية. وطلب الرئيس الأوكرانى زيلنيسكى توجيه كلمة فى حفل ختام المونديال قبل بدء المباراة النهائية للكأس، ورفض الفيفا ذلك الطلب.
والحقيقة، أن التدخلات السياسية فى هذا المونديال بدأت قبل شهور من انعقاده. ففى 28 فبراير، أصدر الاتحادان الدولى والأوروبى لكُرة القدم قرارًا باستبعاد روسيا من أى مُباريات تابعة لهما عقابًا لها على اجتياح قواتها الأراضى الأوكرانية. وكان ذلك يعنى حرمان المُنتخب الوطنى الروسى من استكمال التصفيات المؤهِلة للكأس. والجدير بالمُلاحظة، أن هذا القرار تم اتخاذه بعد 4 أيام فقط من بدء العمليات العسكرية. وعندما تقدم اتحاد الكرة الروسى رسميًا بشكوى ضد هذا القرار إلى محكمة التحكيم الرياضى الدولية كاس ومقرها لوزان، رفضت المحكمة الشكوى.
ويبدو أن بعضًا من الاتحادات الأوروبية وقطاعًا من الرأى العام فى دولها، لم يقتنع أن تقوم دولة عربية بتنظيم هذا الحدث الرياضى العالمي، وتبنت مُبكِرًا مواقف انتقادية واستعلائية تحمل معنى الوصاية الأخلاقية والسعى للتدخُل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى. وظهر ذلك فى الإعلام الألمانى الذى أدان فى الشهور السابقة للمونديال أوضاع حقوق الإنسان فى قطر وظروف العمال الأجانب الذين قاموا ببناء الملاعب والاستادات الرياضية. وهو ما ظهر أيضًا فى تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش فى نوفمبر 2022.
كما تجلت النظرة الاستعلائية فى الأزمة التى نشأت بسبب المثليين عندما أعلن عدد من الاتحادات الأوروبية أن قادة فرقهم سوف يرتدون شارات التأييد للمثلية فى مُباريات المونديال، وانتقدوا بشدة القرار القطرى بمنع ظهور هذه الشارات فى الملاعب، ولكنها فى النهاية انصاعت لموقف الفيفا الذى هدد بتوقيع عقوبات على هذه الاتحادات إذا ما خالفت فرقها اللوائح المنظمة للبطولة، والتى تحظر ارتداء هذه الشارات. ورغم ذلك، فقد تحايلت وزيرة الداخلية الألمانية على القرار ووضعت شارة المثليين على ذراعها فى مباراة ألمانيا واليابان. وجدير بالذكر أن البرلمان الأوروبى دخل على الخط وأصدر فى 24 نوفمبر، أى أربعة أيام بعد افتتاح المونديال، تقريرًا استنكر فيه تجريم السُلطات القطرية للعلاقات بين المثليين وطالبها بالإفراج عن المعتقلين منهم. وثارت أزمة أُخرى بشأن إصرار بعض المشجعين الأجانب وشرب البيرة أثناء المباريات. برزت هذه النظرة الاستعلائية أيضًا بشكل أكبر فى تعليقات الإعلام الغربى وبالذات الألمانى فى التنديد بقيام الشيخ تميم أمير قطر بوضع العباءة العربية على كتفى ليونيل ميسى كابتن الفريق الأرجنتينى بعد تتويجه بالكأس.
والغريب فى الأمر أن هذا المشهد ليس جديدًا، فقد تكرر من قبل فى مونديال 1986 الذى عُقد فى المكسيك وفازت به الأرجنتين أيضًا عندما ارتدى مارادونا كابتن الفريق القُبَعَة المكسيكية المعروفة باسم الصمبريرة، ومن قبل ارتدى بيليه كابتن الفريق البرازيلى نفس القُبَعَة بعد فوز فريقه بالكأس فى مونديال 1970 الذى عُقد أيضًا بالمكسيك.
وفى مُقابل هذا الاستعلاء الغربي، ظهرت فى المونديال مشاعر التضامُن العربى بشكل واضح استدعى تعليقات كثير من الصحف العربية والغربية والإسرائيلية. كانت فلسطين حاضرة بقوة فى المونديال، وحمل المشجعون العرب علمها أمام الكاميرات فى عديد من المناسبات، خصوصا عندما شارك فى المباراة فريق عربي، وارتدى كثير منهم الكوفية الفلسطينية وهتفوا بشعارات مؤيدة لفلسطين، وظهرت صور الفريق المغربى حاملين العلمين المغربى والفلسطيني. وهو ما دعا د.مروان المعشر، الوزير الأردنى السابق ونائب رئيس مؤسسة كارنيجى وهى أحد مراكز الفكر الأمريكية الشهيرة إلى القول فى تعليق له إن الدرس السياسى للمشاعر الشعبية التى رآها العالم بكل وضوح هو أن الموقف الشعبى العربي، من المغرب غربًا حتى قطر شرقًا، ما زال يولى القضية الفلسطينية اهتمامًا كبيرًا.
واتصالًا بذلك، برزت مشاعر التضامن العربى فى دعم الفرق العربية المُشاركة خصوصًا الفريق المغربي. كانت مباريات المغرب لحظة كاشفة لمشاعر التضامن العربى ولشعور الافتخار الذى أحس به كل عربى فى كُل مكان فى العالم نظرًا للأداء الرفيع للفريق المغربي. والمعنى الأعمق لهذا، شعور أغلبية العرب بأن هُناك مشتركات وموحدات تجمع بينهم بحكم انتمائهم إلى لغة وثقافة وتاريخ مشترك فى خطوطه العامة. أدركوا أيضًا أن ولاءاتهم الوطنية إلى هذا البلد العربى أو ذاك لا تتعارض مع شعورهم بالفخر لفوز فريق بلد عربى آخر. كانت لحظات كاشفة للعرب فمثل هذه المُوحِدات تتوارى كثيرًا وسط الخلافات والمُنافسات بين الدول والحكومات العربية.
كانت أيام المونديال أوقاتًا استثنائية والمشاعر العربية ومشاعر التضامُن العربى التى ظهرت فيها ارتبطت بأحداث المونديال التى هى بالضرورة مؤقتة، ولكن أهميتها تظهرُ فى سقوط الادعاء بانتهاء مفهوم العروبة، أو أنه لم يعُد هُناك روابط ثقافية ومعنوية تربط بينهم.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية