تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. علي الدين هلال > السياسة والموسيقى فى مصر بين ثورتين

السياسة والموسيقى فى مصر بين ثورتين

شهدت مصر فى أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين مخاضًا سياسيًا وفكريًا، ترك آثاره على الموسيقى والغناء. وعلى سبيل المثال، ففى فترة الاحتلال البريطاني، كانت الموسيقى والأغنية من أهم أدوات المقاومة الشعبية ضد الخديوى والإنجليز. ومن ذلك، المواويل التى رددها المصريون فى المقاهى والمناسبات إبان أحداث الثورة العرابية، ومنها موال «يا خديوى بعت بلدك.. والإنجليز سرقوا أرضك». وأدخل يعقوب صنَّوع الشهير باسم «أبو نظارة» الأغانى الساخرة فى مسرحياته.

 

بلغ التلاحم بين الفن والسياسة ذروته مع اندلاع ثورة 1919. فى هذه الفترة برز دور فنان الشعب سيد درويش، فجمع بين أساليب الغناء الشعبية والتلحين الحديث، وابتكر أغانى وطنية صارخة فى بساطتها وعمقها فى آن واحد لإثارة الوعى الوطنى لدى المصريين، وتعبئتهم خلف أهداف الثورة.

فكان من أهم أعماله «بلادى بلادي» تأليف محمد يونس القاضي، و»أنا المصرى كريم العنصرين» تأليف بيرم التونسي، و»قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك»، و»أهو ده اللى صار و»شِد الحزام على وسطك»، و«الحلوة ده قامت تعجن فى الفجرية»، وكلها من تأليف بديع خيري.

لحن سيد درويش أيضًا أغنية «يا بلح زغلول» من كلمات بديع خيرى، والتى لجأ فيها إلى الحيلة والتورية هربًا من ملاحقة السلطات البريطانية، والتى تبدو ظاهريًا أغنية عن بائع بلح، ولكنه قصد بها فى الحقيقة الإشارة إلى سعد زغلول زعيم الثورة الذى نفاه الإنجليز. ليس من المؤكد أن سيد درويش أدى هذه الأغنية بصوته، ولكن غنتها نعيمة المصرية التى اشتهرت بأداء المواويل والأغانى الشعبية والمولونوجات الساخرة، ثم غنتها سلطانة الطرب منيرة المهدية على مسرحها وفى الحفلات وساهم ذلك فى انتشار الأغنية فى قطاعات أكبر للمجتمع. ومن ثم، فقد كانت هذه الأغنية أول تعبير وطنى مصرى مقاوم بأداء نسائى فى التاريخ المصرى الحديث.

فى هذا الوقت، أدخل الشاب نجيب الريحانى الموسيقى والغناء فى مسرحياته كوسيلة للسخرية من الاحتلال والباشاوات. ورددت الجماهير أغانى عفوية فى المظاهرات مثل «الله حى ...سعد جاي»، مستخدمين الطبلة والرق.

اتسمت سنوات ثورة 1919 بموسيقى شعبية فلكلورية، واستخدام كلمات عامية قريبة من الجمهور، رددها المصريون فى المقاهى والمسارح والمظاهرات، وحملت مضمونًا تراوح ما بين تعبئة الجماهير، والسخرية من المحتل والسلطة. وهكذا، لعبت الموسيقى دورًا تعبويًا مباشرًا فى ثورة 1919، فاختلطت الأغانى الوطنية بالهتافات والخطابات السياسية فى المظاهرات لتعبر عن صوت الشعب.

بعد نجاح ثورة 1919 جزئيًا وحصول مصر على استقلال اسمى عام، دخلت البلاد فترة الملكية البرلمانية. وفى العقود التالية، استمرت الأغنية السياسية جزءًا من المشهد فى شكل أغانى سيد درويش. واشتهرت أغنية «اسلمى يامصر إننى الفدا» التى كتبها مصطفى صادق الرافعي، أحد أعلام الأدب العربى فى القرن العشرين، ولحنها صفر على ولذيوعها اعتمدتها الحكومة نشيدًا وطنيًا للبلاد. وجدير بالذكر، إن هذه الأغنية ظلت حيَّة وغناها عدد من كبار الفنانين كأم كلثوم بصوت جماعى مع الكورال، ونجاة الصغيرة، وعلى الحجار.

خلال الصراع بين الأحزاب الوطنية وفى قلبها الوفد مع الملك والإنجليز، ظهرت الفرق الموسيقية الغنائية المرتبطة بالأحزاب الوطنية والتى كانت تجوب المدن الصغيرة فى الريف، وقدمت أغانى وأناشيد أيدت الوفد وانتقدت خصومه وسلطات الاحتلال. شارك فى بعض هذه الفرق داود حسني، وزكريا أحمد، ومحمد عبدالوهاب فى بداية حياته.

كما ظهر عدد من الإذاعات الخاصة قبل إنشاء الإذاعة المصرية عام 1934، بثت أغانى وطنية سخرت من الاحتلال ومجدت شهداء الحركة الوطنية. ونشطت فرق نسائية غنت أغانى مؤيدة للوفد فى بعض الصالونات الثقافية، كصالون هدى شعراوي، وصالون سيزا نبراوي.

خلال الثلاثينات والأربعينيات، فرض الملك والإنجليز القيود على الأغانى السياسية المباشرة المعارضة التى تنتقض الحكم المطلق والوجود الأجنبي، فركز الفنانون على أغانى حب الوطن والسخرية من الأوضاع القائمة فى شكل المونولوج. واتخذت الأغنية السياسية أشكالًا مبطنة وغير مباشرة. غنى عبد الوهاب أغنية «حب الوطن فرض عليّ» من تلحينه وكلمات أمين عزت الهجين وذلك بمناسبة التوقيع على معاهدة 1936. وغنى عبد العزيز محمود «يامزوَّق يا ورد فى عود»، ومحمد عبد المطلب «ودينى بلد المحبوب يا ريس». أما فريد الأطرش الذى اضطرته ظروف الحرب العالمية الثانية إلى الإقامة خارج مصر لفترة، فغنى «يامصر كنت فى غربة وحيد».  

ومع تصاعد اهتمام المصريين بتطورات القضية الفلسطينية، قامت فرقة الريحانى وعلى الكسار بإدخال مقاطع غنائية جماعية داخل مسرحياتها، تهاجم الاستعمار البريطانى وتدعو لنصرة الفلسطينيين. وغنى محمد عبدالوهاب، أغنية «أخى جاوز الظالمون المدي.. فحق الجهاد وحق الفدا» من تلحينه وكلمات الشاعر على محمود طه، واستخدم عبد الوهاب شكلا موسيقيا بطئا ومهيبا للتعبير عن الحزن والغضب، والتى كانت صرخة ضد الظلم والقهر، دعمًا للشعب الفلسطيني. وتلاها بأغنية «مين زيك عندى يا خضرة وأنا رايح ع الميدان». وعقب إلغاء الحكومة المصرية معاهدة 1936 فى عام 1950 ونشاط الفدائيين ضد قوات الاحتلال فى القناة، سجل عبدالوهاب أغنية «كنت فى صمتك مُرغم» فى عام 1952 ولكن السلطات منعت إذاعتها حتى أُفرج عنها بعد قيام ثورة 1952.

وبدأت مرحلة جديدة من التلاحم بين السياسة والموسيقى والغناء ولعبت الأغنية دورا رئيسيًا فى إكساب القبول الشعبى للنظام الجديد منذ البداية بغناء محمد قنديل «ع الدوار ع الدوار» وأم كلثوم «مصر التى فى خاطرى» ثم بزوغ عبد الحليم حافظ صوت الثورة الفنى.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية