تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
السفيرة سلامة شاكر
أكتب اليوم عن السفيرة سلامة شاكر التى انتقلت إلى رحمة الله يوم الجمعة 10 مايو 2024 والتى كانت مسيرتها الدبلوماسية والعلمية مليئة بالعطاء والخدمة العامة. وهو ما دعا د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف إلى إصدار بيان نعى فيه الفقيدة، وأشار تحديدًا إلى ما قدمته من دعم محمود لرسالة الأزهر الشريف داخل الولايات المتحدة خلال فترة عملها، فضلًا عن تيسير مهام علماء الأزهر ومبعوثيه. فلم تقتصر السفيرة فى عملها على أداء ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية، ولكن تجاوزت ذلك لخدمة كُل من اتصل بها وطلب معونتها، فكانت صاحبة فضل على الكثيرين.
التحقت سلامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة فى عام 1963، وذلك ضمن طُلاب الدفعة الثالثة بالكلية ثُم تخصصت فى مجال العلوم السياسية وتخرجت عام 1967. وكان من زملائها د. مصطفى كامل السيد، الأول على الدفعة، ود. محمد السيد سليم، الثانى على الدفعة. وكانت من أقرب صديقاتها منى محلب شقيقة المهندس إبراهيم محلب الذى أصبح رئيسًا للوزراء بين عامى 2014 و2015.
تعرضت هذه الدفعة لخبرة لم تتكرر بعد ذلك وهى أنه مع بدء الامتحانات فى يونيو 1967، اندلعت الحرب مع إسرائيل. فتم تأجيلها لعدة أسابيع لحين استكمالها فى وقت لاحق. وهى أيضًا الدفعة التى قُمت بالتدريس لها كمعيد بالكُلية. وكانت سلامة من الطالبات النشطات اللاتى يُشاركن فى المُناقشة، وكان لها منذ هذا الوقت المُبكر تفكيرها المُستقل ورغبتها فى الاستزادة من المعرفة والعلم.
وبعد التخرج، التحقت سلامة بوزارة الخارجية ومثلت بلادها فى مالطا وتركيا والولايات المُتحدة حتى عينت سفيرة لمصر فى كندا. وعملت لسنوات طويلة مُساعدًا لوزير الخارجية السيد عمرو موسي، وكانت أول امرأة تُعين فى ذلك المنصب. ثُم عينت فى عام 2004 نائبًا لوزير الخارجية، وكانت أيضًا أول امرأة تتولى هذا المنصب.
لم تكتف سلامة بتميزها الدبلوماسى وحسب بل امتد طموحها إلى المجال الأكاديمى والبحثى فحصلت على شهادتين لدرجة الماجيستير، الأولى من كُلية العلاقات الدولية بجامعة جون هوبكنز الأمريكية، والثانية من فرع كلية لندن للاقتصاد والسياسة بجامعة مالطا. ثُم حصلت على درجة الدكتوراة فى العلوم السياسية عام 1993 من الجامعة الأمريكية بالعاصمة واشنطن.
وبعد تقاعدها، عملت بالتدريس فى جامعة ييل التى تعتبر من كُبريات الجامعات فى أمريكا والعالم، وفى جامعة كليرمونت على الساحل الغربى بولاية كاليفورنيا. ومن قبلها، عملت كباحثة فى معهد ويدرو ويلسون الشهير، والذى كانت ثمرته إصدارها لكتاب عام 1994عن سياسات الخصخصة فى تركيا والعلاقة بين الدولة والمجتمع خلال الفترة 1979-1990. كما أصدرت كتابًا عن نفس الموضوع باللغة التركية. صدر لها أيضًا عديد من البحوث التى تناولت موضوعات مثل سياسة كندا تجاه الشرق الأوسط، والتنمية والقيم الإسلامية، وسياسة الصين الخارجية. شاركت أيضًا فى عشرات المؤتمر والندوات بالجامعات الأمريكية والكندية، عبرت فيها عن وجهة النظر المصرية والعربية بالشكل والأسلوب الذى يُقنع الآخرين. وأذكُر أن الأستاذ نبيل عبد الفتاح اشترك معها فى ندوة بجامعة ييل ووصف مُساهماتها بأنها كانت علمية رصينة. وفى جامعة ييل، تولت سلامة إدارة برنامج الأبعاد الدينية لعمليات التحول الديمُقراطى فى الدول ذات الأغلبية المُسلمة.
وساعد على تفوقها الأكاديمى والبحثى إجادتها الكاملة لعدد من اللغات، فإلى جانب اللغة العربية تمكنت من الحديث والكِتابة بطلاقة باللغات الإنجليزية، والفرنسية، والتُركية، والمالطية وهى لُغة مشتقة من العربية الصقلية.
وكان أطول فترات خدمتها ما بين السفارة والقُنصلية فى الولايات المُتحدة فى الوقت الذى كان فيه عبد الرءوف الريدى سفيرًا وهو الذى تعهدها بالرعاية، ورأى أن لديها قُدرات وكفاءات كبيرة. فكان بمثابة والدها الروحي. وإليه، تقدم المُهندس غالب عبد الرحمن ذات يوم فى واشنطن ليطلب يدها من السفير الذى بارك الزيجة التى استمرت حتى وفاتها.
يبقى الإشارة إلى نسبها وهو مسألة تستحق التسجيل فجدها هو الأميرلاى (يمُاثل رتبة عميد حاليًا) مصطفى بك شاكر، الذى وُلد لإحدى القبائل المُسلمة فى روسيا القيصرية وعمل ضابطًا بالجيش الروسي. وعندما نشبت الحرب الروسية العثمانية، رفض أن يُحارب ضد العثمانيين بحُكم رابطة الدين، فرحل مع زوجته إلى الدولة العثمانية التى كرمته، وقابل السلطان عبدالحميد الذى أراد الاستفادة من خبراته العسكرية وطلب منه المُشاركة فى برامج تدريب الضُباط العُثمانيين. وبعد فترة طلب مُصطفى شاكر أن ينتقل إلى مجال عمل آخر، ويبدو أنه فضل الإقامة فى مصر التى كان قد سمع عنها وعن أزهرها وتاريخها وإن كان لم يزرها قط، فأوصى السُلطان به خيرًا. وصل مصطفى شاكر مصر عام 1885 وعينه الخديو توفيق مأمورًا لمنطقة حلفا وأسوان.
فى مصر، تعلم الرجُل اللغة العربية فدرس أصولها على أيدى علماء متخصصين فى اللغة. وتردد على الأزهر من آن لآخر للقاء بكبار شيوخه. وعلى مدى سنوات، قام بكتابة ما يُعرف الآن باسم مصحف شاكر، وهو مصحف مكتوب باللغة العربية بتشكيل دقيق وخط جميل، وأجازه الأزهر الشريف. احتفظت السفيرة سلامة بهذا المصحف النادر الذى ورثته عن أبيها وجدها. وباعتباره تراثًا نادرًا أهدته فى نوفمبر 2018 إلى مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى بمكتبة الإسكندرية.
لم تنقطع صلتى العلمية والإنسانية بسلامة شاكر على مر السنين ووجدتها دائمًا مُتابعة لما هو جديد فى العلم، وعلى معرفة بالآراء والأفكار الجديدة فيه. استرد الله وديعته. وكما أنها لم تثقل فى حياتها على أحد، فقد أوصت بأن يكون رحيلها فى هدوء وألا تُقام مراسم للعزاء.
رحمها الله رحمة واسعة
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية