تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الحسين سيد الشهداء
يعتبر مسجد الحسين فى حى الأزهر بالقاهرة من أهم وأبرز مساجد أهل البيت فى مصر. وعندما يذكر المصرى كلمة «الحسين» مجردة،أو انه ذاهب إلى الحسين، فليس هناك سوى معنى واحد وهو مسجد سيدنا الحسين بن على بن أبى طالب وحفيد رسول الله،وشهيد كربلاء الذى يحتل مكانة سامية فى نفوس المصريين وأفئدتهم. تختلف الروايات التاريخية حول ملابسات نقل رأس الحُسين الشريف إلى مصر. والأرجح تاريخيًا، أن حُكام الدولة الفاطمية فى مصر خشوا من وقوع ضريح الحُسين فى عسقلان تحت سيطرة الصليبيين، فأمر الحاكم الفعلى الصالح طلائع بنقل الرأس الشريف إلى القاهرة، فوصلت يوم الأحد 8 جمادى الآخرة عام 548 هـ، الموافق 31 أغسطس 1153م، فاستقبلها المصريون بكل معانى المحبة والتوقير، ودفن أولا فى قصر الزمرد وهو قصر بنى فى داخل سور القصر الكبير وسمى بهذا الاسم لقربه من باب الزمرد، ثم نقل فى العام التالى إلى المشهد الذى بنى خصيصا لدفن الرأس، وهو نفس المكان الحالي.
ورغم نهاية الخلافة الفاطمية فى مصر وقيام الدولة الأيوبية على يدالناصر صلاح الدين الأيوبى فى 567 هـ،فان مكانة المشهد الحسينى لم تتغير، واستمر اهتمام السلاطين الأيوبيين به. فخصص صلاح الدين بالقرب من المشهد مكانا للتعلم وإلقاء الدروس الدينية، عهد بالإشراف عليه إلى عبد اللطيف بن بهاء الدين، المعروف بالفقيه البهائى الدمشقي، فكان يجلس للتدريس عند المحراب أمام المشهد.
وحسب وصف الرحالة ابن جبير الكنانى الأندلسى الذى زار مصر فى رحلته الأولى بين عامي579-581هـ، فى كتابه بعنوان «تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار» فإنه لاحظ الاستخدام المكثف للذهب والفضة فى تزيين المشهد، وأن «فيه أنواعا من الرخام المجذع القريب الصنعة، البديع الترصيع بما لا يتخيله المتخيلون».
واستمر الاهتمام بالمشهد، فتم تجديده عام 586هـ، بأمر من الوزير القاضى عبد الرحيم بن على البيساني، وأنشأ دارا للوضوء. وفى عهد الكامل خامس سلاطين الدولة الأيوبية، أقام أبو القاسم بن يحيى بن ناصر السكرى فى عام 634 هـ مئذنة على باب المشهد. احترق هذا المشهد فى عهد الملك الصالح سابع سلاطين الأيوبيين سنة 640هـ، فأعيد بناؤه على نفس الدرجة من الجمال والفخامة. فوصفه الرحالة ابن بطوطة عام 725 هـ، بأنه «موفى حقه من الإجلال والعظمة». وتمت توسعة المسجد فى عهد كل من السلطان الظاهر بيبرس رابع سلاطين الدولة المملوكية ومؤسسها الحقيقي، والناصر محمد بن قلاوون سابع سلاطين الدولة المملوكية البحرية.
ومع ستينيات القرن الثامن عشر فى عهد على بك الكبير، قام الأمير عبد الرحمن كَتْخُدَا بإعادة بناء قبة المشهد، والجزء العلوى من مئذنة الباب الأخضر، وزيادة مساحة المسجد بأكثر من النصف، وخصص رواتب للعاملين على خدمة المسجد. واستمر اهتمام حُكام مصر بضريح الحُسين فى القرن التاسع عشر. وفى عهد الخديو إسماعيل تم تجديد المشهد وتوسعة المسجد عام 1873، وكان ذلك تحت إشراف على باشا مبارك. وفى 1878، أقيمت مئذنة المسجد على الطراز العثماني. وفى 1893، أمر الخديو عباس حلمى الثانى ببناء غرفة فى جنوب المشهد لحفظ الآثار النبوية الشريفة.
فى القرن العشرين، تردد حكام مصر على المسجد لتأدية الصلاة. وعلى سبيل المثال، أدى الملك فاروق صلاة الجمعة يوم 8 مايو 1937 فيه، وتكرر ذلك فى العام التالي، ثم أمر فى العام الذى يليه بإصلاح أرضية القبة وتكسيته بالرخام، وصلى فيه مع الرئيس السورى شكرى القوتلى عام 1945.
يحتفل المصريون بمولد سيدنا الحسين احتفالا جماهيريا حاشدا، ويأتى الناس من مختلف المحافظات للمشاركة فيه، وتنظم الطرق الصوفية المواكب استعدادا للاحتفال، وتقام حلقات الذكر والإنشاد الدينى التى يشارك فيها كبار المنشدين. وفى داخل المسجد، يُقرأ القرآن وتُلقى الكلمات فى مدح الحسين وآل البيت.
احتل الحسين مكانة رفيعة فى المخيال المصرى عبر عنها صفوة من المفكرين والأدباء، منهم عباس محمود العقاد فى كتاب «أبو الشهداء...الحسين بن علي» فى 1945، وطه حسين فى كتاب «على وبنوه» عام 1953، وخالد محمد خالد فى كتاب «أبناء الرسول فى كربلاء عام 1968، وعبدالرحمن الشرقاوى فى مسرحيتى «الحسين ثائرًا» و «الحسين شهيدًا» فى 1969-1970. كما استدعى الشاعر أمل دنقل الحسين وكربلاء فى إبراز معنى مقاومة الظلم والطغيان فى قصيدته «من أوراق أبونواس». وامتد هذا الشعور إلى الشعراء العرب كنزار قبانى من سوريا، وبدر شاكر السياب من العراق. ولسنين طويلة، كان جمهور المصريين يُقسم بقوله «وراس الحُسين».
بعد ثورة 1952، اعتاد الرئيس جمال عبدالناصر على تأدية صلاة العيدين الفطر والأضحى بمسجد الحسين. واهتم بتطويره وتوسعته، وكان من شأن ذلك مضاعفة مساحة المسجد، بنفس الطراز المعماري، ثم أضيف إليه مبنى إدارة المسجد والمكتبة فى عام 1965. وكان من أول المناسبات التى ظهر فيها عبدالناصر بعد هزيمة 1967، زيارته للمسجد فى 19 يونيو للمشاركة فى الاحتفال بالمولد النبوي.كما حرص الرئيس السادات على زيارة المسجد فى بداية حكمه عام1971، وألقى كلمة للمصلين بهذه المُناسبة. وأدى الرئيس مبارك أول صلاة عيد بعد توليه الرئاسة فى المسجد. وفى عهده، تم تجديد القبة التى تعلو المشهد فى نهاية الثمانينات.
فى أبريل2022، زار السيد الرئيس السيسى ومعه السلطان مفضل سيف الدين، رئيس طائفة البهرة لافتتاح أعمال التطوير والتجديد بالمسجد، والتى شملت إعادة بناء مقصورة المشهد من الفضة الخالصة، وتكسية أرضية الضريح بالمرمر الأبيض الشفاف، وباب مصنوع من الذهب والفضة مرصع بالماس والياقوت لغرفة الآثار النبوية. ويبقى مسجد سيدنا الحُسين أحد أبرز معالم القاهرة التاريخية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية