تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الأقباط فى شهر رمضان

فى الأسابيع الماضية، كان المصريون فى حالة صيام، الأقباط بدأوا «الصوم الكبير» يوم20 فبراير الماضى ولمدة 55 يومًا تنتهى بعيد القيامة فى 17 أبريل، والمسلمون بدأوا صيامهم مع حلول شهر رمضان فى 23 مارس والذى من المتوقع فلكيًا أن ينتهى فى 20 أبريل ليحتفلوا بعده بعيد الفطر.

عاش المصريون من مسلمين وأقباط فى جوار وتفاعل بين بعضهم البعض، لم يتوقف الأمر عند امتناع الأقباط عن تناول الطعام أو الشراب علنا احتراما لمشاعر المسلمين، بل إنهم شاركوا المسلمين فى عاداتهم الخاصة بشهر رمضان مثل الإفراط فى أكل الكنافة والقطايف وسائر أنواع الحلويات، ويتناول الكثير منهم وجبة الإفطار على موائد جيرانهم وأصدقائهم من المسلمين، ثم يتابعون مسلسلات هذا الشهر. وهكذا، فإن العادات الاجتماعية المرتبطة بشهر رمضان أصبحت عادات وممارسات مصرية يشارك فيها كل المصريين.

تطورت هذه العادات على مدى قرون، وشهدت تغيرات وتباينات وفقا للظروف السياسية السائدة. وكان العهد المملوكى من فترات المد وخاصة فى عهد الناصر محمد بن قلاوون تاسع سلاطين المماليك البحرية، والذى حكم مصر قرابة أربعين سنة شهدت فيها ارتفاع مكانتها الخارجية وتقدم أوضاعها الداخلية، وكان عهده فترة رخاء وازدهار. وعندما حدثت اضطرابات بين المسلمين والمسيحيين، ضرب على مرتكبيها بيد من حديد. وفى عهده، اختلطت زينات الأعياد الإسلامية والمسيحية المعلقة على واجهات الحوانيت.

سجل جاك تاجر فى كتابه بعنوان «أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى إلى عام 1922»، أنه فى فترة الحملة الفرنسية وقعت مشادة بين شيخ معمم وأحد الأقباط لأنه وجد الثانى «يشرب الدخان فانتهره»، فتجمع الناس وذهبوا إلى المسئول الفرنسى للفصل فى هذا الخلاف. فسأل المسئول عددًا من الأقباط عن عاداتهم فى هذا الشأن، فأجابوه «أن من عاداتهم القديمة انه إذا استهل شهر رمضان لا يأكلون ولا يشربون فى الأسواق ولا بمرأى من المسلمين أبدًا». وهو ما يؤكد تلاحم النسيج الاجتماعى فى مصر من وقت طويل.

ثُم جاءت ثورة 1919 فدعمت الرابطة الوطنية بين المصريين. ومن ذلك، أنه عندما حل رمضان فى شهر يونيو من هذا العام، تبارت وفود الأقباط إلى المساجد فى المدن والبنادر والقرى لتهنئة المسلمين بقدوم الشهر الفضيل، ونشرت جريدة الأخبار فى عددها بتاريخ 3 يونيو خبرًا عن زيارة وفد «الشبيبة القبطية» إلى الأزهر لتقديم التهنئة، وأن الوفد تحرك فى موكب من خمسين سيارة، فاستقبلهم عند مدخل الرواق العباسى مجموعة من علماء وطلاب الأزهر، ثم بدأ الاحتفال بكلمة من الشيخ على الزنكلوني، فرحب بهم وقال: «إن افضل ليلة من ليالى شهر رمضان هى ليلة القدر ونحن نرى ليلتنا الحاضرة هى الليلة الفضلى الثانية لتشريف إخواننا الأقباط..»، وأعقبه كلمات لعدد من المتحدثين كان من بينهم القمُص تكلا وفرح افندى جرجس والتى دارت جميعها عن الروابط العميقة التى تربط المسلمين والأقباط.

فى رمضان من كُل عام، تقوم الكنائس فى كُل المُحافظات بعدد من الأنشطة تؤكد معانى التواصل والتضامن مع الصائمين والتى تأخذ أشكالًا مختلفة، مثل إقامة موائد لتقديم وجبات الإفطار للمحتاجين من أهالى المنطقة وعابرى السبيل. ويقوم بعض رجال الدين المسيحى بالمُشاركة مع نظرائهم من المسلمين فى أعمال الخير مثل مشاركة كاهن كنيسة العذراء مريم مع أئمة المساجد بمنطقة الزوايدة بالإسكندرية هذا العام فى توزيع صكوك إطعام صائم التى أصدرتها وزارة الأوقاف. وتعاون إمام مسجد وراعى كنيسة فى قرية سنباط بمحافظة الغربية فى إعداد وجبات لإفطار الصائمين، وقيام كاهن قبطى بتوزيع وجبات الإفطار على المارة فى طريق أسيوط - ديروط الزراعي. وتنظيم الكنيسة فى بنى سويف حفل إفطار للعاملين بمرفق إسعاف المحافظة.

لم يقتصر الأمر على الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بل امتد إلى الكنائس المسيحية الأخرى. وعلى سبيل المثال، أقامت الكنيسة الإنجيلية فى رمضان الحالى حفل إفطار فى مدينة قنا.وعلقت الفوانيس والزينة على أبوابها مشاركة للمسلمين فى بهجتهم. وفى الأقصر، قام وفد من القساوسة والمتطوعين بزيارة مستشفى شفاء الأورمان لعلاج الأورام، ووزعوا الفوانيس والهدايا على الأطفال. وفى الإسكندرية، وزعت كنيسة الإيمان شنط رمضان على الأسر من ذوى الهمم تحت شعار «مسلم ومسيحى نسيج وطن واحد».

وكُل منا لديه ذكريات عن الأقباط والكنائس فى شهر رمضان وأتذكر فى سنوات دراستى الجامعية العلاقة الوطيدة التى ربطتنى مع نزيه نصيف ميخائيل الأيوبى الذى أصبح فيما بعد أستاذًا بارزًا فى جامعة اكستر البريطانية، وليالى رمضان العديدة التى قضيناها معا ما بين شُبرا والحلمية الجديدة والعتبة. وأُشير إلى صديقى د.نبيل لوقا بيباوى الذى حصل على الدكتوراه فى الشريعة الإسلامية، وكتب كتابًا يدحض فيه فكرة علاقة الإسلام بالإرهاب. وكان يستضيف على الإفطار أصدقاءه فى أغلب أيام رمضان.

وأذكر أيضًا المصرى العظيم البابا شنودة الذى تخرج من كلية الآداب بجامعة القاهرة ثُم التحق بكلية ضباط الاحتياط وحكى عن علاقته بزملائه من الضباط الذين وصفهم ب «إخوتى من المسلمين»، وأنهم حرصوا على أن يكون معهم عند تناول الإفطار على الميز. ولعدة سنوات تناولت الإفطار على مائدة إفطار الوحدة الوطنية التى نظمها البابا شنودة فى إحدى قاعات الكاتدرائية بالعباسية وحضرها كبار المسئولين وعدد من الشخصيات العامة، وعندما كان يأتى الموعد ينطلق آذان المغرب فى القاعة، ويقوم المصلون بتأدية الصلاة. فالمصريون نسيج وطنى واحد يتداخل فيه الجميع على أساس الانتماء لمصر.

وكل عام ونحن جميعا ومصر وكل المصريين فى خير وأمن وسلام.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية