تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الإدارة السياسية المصرية لمعركة تحرير طابا «3-3»
ذكرت أن معركة تحرير طابا شهدت ثلاث جولات. كانت الأولى، الاتفاق على مبدأ التحكيم كوسيلة لحل النزاع. والثانية، معركة التحكيم وحشد الحجج لإثبات صحة وجهة النظر المصرية. والثالثة، هى تنفيذ حكم المحكمة الذى صدر فى 29 سبتمبر 1988. فبالرغم أنه من المفترض أن يكون تنفيذ قرار التحكيم مسألة سهلة ويسيرة، فقد كانت مهمة عسيرة ومجهدة، فقد حاولت إسرائيل الالتفاف على القرار، وإفراغه من محتواه.
ومع أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت موافقتها على الحكم، فقد وضعت العراقيل أمام تنفيذه. كان منها، المبالغة فى تقدير مبالغ التعويضات التى يتعين على مصر دفعها مقابل المنشآت والمبانى والطرق التى أقامتها إسرائيل فى المنطقة. كما تعنتت بشأن مطلبها فى حق الإسرائيليين فى الدخول والخروج من طابا دون تأشيرات مصرية. كما بررت تأخير تنفيذ الحكم بسبب الانتخابات الإسرائيلية التى كان مقرراً إجراؤها فى نفس العام.
هدفت إسرائيل من هذه المماطلة إلى تأجيل التنفيذ حتى انتهاء مدة انعقاد المحكمة، ومن ثم تنتهى مهمتها دون أن يتقدم لها أى طرف باستفسار، ودون أن تظل كسيف قضائى مسلط على المتسبب فى عرقلة تنفيذ الحكم. فقد نصت المادة 13 من مشارطة التحكيم على أن أى نزاع بين الأطراف حول تفسير أو تنفيذ الحكم يحال إلى المحكمة لتوضيحه، إذا طلب أحد الطرفين ذلك خلال 30 يوما من صدوره، وعلى أن ينتهى الطرفان خلال 21 يوماً من صدور الحكم على تاريخ الانتهاء من تنفيذه، على أن تلتزم المحكمة بإبداء الرأى أو التفسير خلال 45 يوما، ويكون ما تصل إليه المحكمة مُلزمًا وجزءا من الحكم.
وبعد إصدار هيئة التحكيم قرارها، تكونت مجموعتان، مجموعة الاستفسارات للنظر فى تأويل الحكم وتنفيذه إذا اختلف الجانبان، ومجموعة إشكالات التنفيذ لحسم أى مشكلة تتعلق بالتنفيذ. من جانبها، واستمرارا لمنهج الإدارة المصرية فى الجمع بين الالتزام الثابت بسيادة مصر من ناحية والمرونة التكتيكية فى المُفاوضات من ناحية أُخرى، فوافقت على إرجاء تنفيذ الحكم حتى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وذلك حرصا منها على ألا يكون هذا الموضوع مجالا للمزايدات الانتخابية، ويعطى فرصة لإسرائيل للتملص من تنفيذ الحكم.
وأصرت على حصر وتضييق نطاق الخلاف وتحديده بدقة، كما رفضت إرجاء تنفيذ جوانب من الحُكم يمكن تنفيذها، حتى لا تتعقد القضية وتتداخل المسائل.
كانت مصر حريصة منذ البداية على الوصول إلى حل قانوني، لذلك فعندما طلبت إسرائيل من مصر إنهاء ولاية المحكمة وتوجيه خطاب مشترك إلى هيئة التحكيم الدولية بدعوى إعطاء الفرصة للطرفين أن يتفقا ثنائيا على تنفيذ الحكم، رفضت مصر وأصرت على استمرار هيئة التحكيم فى حالة انعقاد لحين تنفيذ الحكم كاملا. ونظرا لمرور شهرين دون تنفيذ الحكم وقبل انقضاء مهمة المحكمة، قدمت مصر طلبا لها بالاستمرار فى الانعقاد إلى أن يتم الاتفاق على إجراءات تنفيذ الحكم.
توسطت الولايات المتحدة بين الطرفين لحل الخلاف، وأدى ذلك إلى التوقيع فى روما يوم 29 نوفمبر 1988 على اتفاق يقضى برسم علامات الحدود وفقا لقرار التحكيم، وأن تستمر المفاوضات لتسوية الأمور الأخرى. فطلبت إسرائيل أن يتم إنهاء عمل مجموعة الاستفسارات بعد توقيع الاتفاق، وهو الأمر الذى رفضته مصر وتمسكت ببقاء المجموعة حتى بدء تنفيذ الحكم، وأن تمتد ولاية مجموعة الإشكالات لمدة 50 يوماً من تاريخ التوقيع على الاتفاق، أى حتى 28 يناير 1989، وهو ما تم تنفيذه.
استمرت المماطلة الإسرائيلية، فأثارت خلافا حول مواقع إحدى العلامات على الحدود وهى نقطة «باركر»، والتقييم المالى للمنشآت السياحية، ودخول السياح الإسرائيليين.
وقد تأكدت هذه المطالب فى اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلى المصغر فى يناير 1989، والذى اقترح: إقامة ملكية مشتركة للفندق، وضرورة موافقة مصر على دخول حر ومفتوح للإسرائيليين، بدعوى أنهم اعتادوا الذهاب إلى هذه المنطقة بلا قيود لعشرين عامًا.
وإزاء ذلك تكونت لجنتان، الأولى لبحث أوضاع الفندق والتعويض المالي، والثانية لجنة لدراسة الإجراءات السياحية لدخول المنطقة، وأصر المفاوض المصرى على أن يتزامن ذلك مع الاتفاق على موعد نهائى للانسحاب مع رفع العلم المصرى بجوار العلامة 91 كمقدمة للانسحاب. استمر النهج المصرى فى اتباع القواعد التى قادت خطاه فى الجولات المختلفة. وهى أن أى موضوع قابل للأخذ والرد طالما لا يتصل «بالسيادة» و»الأمن»، وعدم الربط بين الانسحاب والتفاوض على القضايا المتبقية، وأن الانسحاب يكون أولاً، والتعويض ممكن ولكن لا للإدارة أو الملكية المشتركة، وأن أى تسهيلات للسياح يمكن بحثها فى ضوء اعتبارات السيادة والأمن.
رافق ذلك اتخاذ مصر موقفا حاسما لإنهاء المماطلة الإسرائيلية وعدم تنفيذ الحكم لمدة أربعة أشهر. وفى مباحثات طابا بفندق سونستا فى يناير 1989، أبلغت مصر الوفد الإسرائيلى المفاوض، أنها تعتبر يوم 29 يناير بمنزلة الإعلان الرسمى عن عودة طابا للوطن الأم، وأنها تطلب انسحاب إسرائيل قبل هذا التاريخ، تمهيداً لتولى الأجهزة المصرية إدارة المنشآت السياحية فى طابا، وصدر قرار جمهورى يعطى وزارة السياحة الاختصاص بمباشرة كل ما يتعلق بفندق سونستا والأرض المقامة عليه، ليتسنى للوزارة تعيين من يفاوض حول مبلغ تعويض الفندق. وبينما احتجت إسرائيل على هذا الموقف، اعتبرته مصر قرارا سياديا تنفيذيا. وأخيرا، توصلت مصر وإسرائيل فى 26 فبراير 1988 إلى اتفاق بشأن القضايا المعلقة، على أن يتم تنفيذها فى 15 مارس.
ليست مبالغة إذًا الحديث عن معركة تحرير طابا، التى بدأت من أواخر عام 1981 وحتى مارس 1988، استخدمت فيها مصر مختلف عناصر القوة الشاملة للدولة حتى حققت أهدافها، وتظل مَعينا لاستخلاص الدروس والاستفادة منها.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية