تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الإدارة السياسية المصرية لمعركة تحرير طابا «2-3»
تناولت فى مقال الأسبوع الماضى المعركة السياسية والقانونية التى أدارتها مصر فى مواجهة مماطلة إسرائيل للانسحاب من طابا والتى استمرت من 1981 حتى 1986، أى حتى تم الاتفاق على مبدأ التحكيم ونص السؤال الرئيسى فيه. ثُم بدأت جولة أُخرى استمرت 9 شهور انتهت بالاتفاق على نص مشارطة التحكيم الذى تكون من 14 مادة. وحينها، ثارت مشكلة أخرى وهى مكان تبادل الوثائق فاقترحت إسرائيل أن يكون فى مدينة القُدس بينما أصرت مصر على أن يكون فى مدينة جنيف السويسرية، وانتهى الأمر بإقرار وجهة النظر المصرية.
وخلال عرض النزاع على المحكمة، من سبتمبر 1986 وحتى سبتمبر 1988، تحركت الإدارة المصرية على مستويين، الأول هو مستوى التحكيم الذى تُجرى بشأنه إجراءات التقاضى فى جنيف. والثانى هو مستوى المساعى التفاوضية السياسية، والتى تتم بوساطة أمريكية بعيداً عن التحكيم.
ركزت مصر فى تحركها على مُستوى التحكيم، وحشدت فريقًا من خيرة رجال الدبلوماسية والقانون الدولى والإستراتيجية العسكرية. وحسب التقرير الرسمى الصادر عن الأمم المُتحدة عن حُكم المحكمة، فإن فريق مصر الرسمى تكون من السُفراء نبيل العربي، وأحمد ماهر السيد، ومُهاب مُقبل، وعدد من رجال القانون والقضاء وهُم: مُفيد شهاب، وطلعت الغُنيمي، وأحمد القُشيري، وجورج أبى صعب، وسميح صادق، وصلاح عامر، وأمين المهدي، وفتحى نجيب. واثنين من ضُباط القوات المُسلحة وهُما خيرى الشامة، ومحمد الشناوي، والخبير فى الأمور التاريخية يونان لبيب رزق.
واستعان الفريق المصرى أيضًا بالخبرة الدولية فشمل ديريك باوليت، وإيان سنكلير، ونيكولاس فولتيكوس، ووالتر سوهير. وذلك إضافة إلى عدد من المُساعدين والإداريين. وقام الفريق بجُهد بطولى فى عرض الحُجج المصرية استنادًا إلى قواعد القانون الدولي، والسوابق التاريخية، والمعلومات الجغرافية والتاريخية الموثقة.
فى مواجهة ذلك، ركزت إسرائيل وأمريكا على مُستوى المفاوضات للوصول إلى اتفاق بين مصر وإسرائيل. فقد أدى اتضاح سلامة الموقف القانونى المصرى فى جنيف، وتقدم إجراءات التحكيم بإسرائيل إلى الإسراع لتسوية النزاع خارج إطار التحكيم. وروج المسئولون الإسرائيليون لاحتمال التفاهم مع مصر فى هذا الشأن.
واتصالًا بذلك، نشطت الدبلوماسية الأمريكية فى نفس الاتجاه، فاقترحت سيادة مشتركة مصرية إسرائيلية على منطقة طابا، أو ما اسمى «كوندومنيوم مصر إسرائيل» وحكم ثنائى فى المنطقة، وأن تتحول طابا إلى منطقة حرة على غرار هونج كونج واقترحت إسرائيل أن تقوم بتمويل مشروعاتها، وأن تحصل مصر على نصف عائداتها. وهو ما رفضته مصر.
ومع اقتراب موعد صدور حكم المحكمة، كثف إبراهام صوفير مدير الإدارة القانونية فى الخارجية الأمريكية من جهوده للوصول إلى هذا الاتفاق. وتلاحقت اقتراحاته، فكانت كلما رفضت مصر مقترحاً، يجتهد صوفير ومعاونوه فى طرح آخر. وكان جوهر هذه المقترحات الاعتراف بالسيادة المصرية على طابا لفظيا ولكن تفريغها فى الواقع من أى مضمون.
ففى مايو 1988، اقترح مشروعًا يقضى بمنح الرعايا الإسرائيليين حرية الدخول إلى طابا بالبطاقة الشخصية لهم، وبدون تأشيرة دخول مصرية، وأن تسرى القوانين الإسرائيلية على الإسرائيليين، والمصرية على المصريين، وأن تتولى القوات متعددة الجنسيات حفظ الأمن فى طابا، أما بالنسبة للفندق الذى أقامته إسرائيل فتتولى إدارته مجموعة شركات دولية يكون لمصر فيها النصيب الأكبر. وهو الاقتراح الذى اعتبرته مصر ماسًا بسيادتها.
وأعقب ذلك، عقد اجتماعات بين الطرفين بواشنطن فى يونيو، تقدم فيها صُوفير بمقترح جديد تضمن الاعتراف بحق مصر فى السيادة على طابا، وحق إسرائيل فى إقامة مشروعات اقتصادية وتجارية فى المنطقة بعد الاتفاق مع مصر،
ومعاملة إسرائيل معاملة الدولة الأولى بالرعاية فى حالة موافقة مصر على إقامة مشروعات مشتركة مع دولة أخرى فى طابا، وأن تتدخل أمريكا فى الأمور المتعلقة بتنفيذ هذا البند، وأن يكون لمصر الحق فى رفض أى مشروع مشترك مع إسرائيل فى طابا إذا تعلق بأحد الأسباب الإستراتيجية والأمنية التى تراها.
وتلا ذلك فى أغسطس، أى قبل صدور حُكم التحكيم بشهر، اقتراح بأن تعود منطقة طابا بما عليها من منشآت سياحية كالفندق، والقرية، والشاطئ لمصر، وذلك فى مقابل أن تقبل الأخيرة إدارة تلك المنشآت السياحية بإدارة مصرية إسرائيلية مشتركة بواقع 51% حصة مصر و49% حصة إسرائيل، وأن تسمح مصر للعاملين الإسرائيليين فى تلك المنشآت بالدخول والخروج ببطاقاتهم دون جوازات سفر، وأن تمتنع الشرطة المصرية عن الدخول إلى منطقة طابا بدعوى أن مجرد وجودها يشكل عائقاً أمنياً ضد الحركة السياحية فى المنطقة.
انطلق الموقف الإسرائيلى المدعوم أمريكيًا من خُطة هدفها الوصول إلى حل وسط، ومُمارسة جميع أنواع الضغوط والإغراءات للحصول على موافقة مصر عليها، قبل صدور قرار التحكيم، حتى إذا ما صدر حكم المحكمة تكون إسرائيل قد انتزعت تنازلات من مصر يصعب على القاهرة النكوص عنها.
وفى مُقابل ذلك، تعاملت الإدارة المصرية مع هذا الموقف بمرونة وفقًا لخُطة مدروسة استنادً إلى أن الوقت فى صالحها، وأن حكم المحكمة سيكون فى صفها.
لذلك، أبدت مصر استعدادها للاستماع إلى كُل الأفكار والترتيبات المُقترحة من جانب الولايات المُتحدة ومُناقشتها ثُم رفضها إذا كان فيها مساس بالسيادة المصرية. وذلك كسبًا للوقت من ناحية، وعدم إيجاد موقف تقوم فيه إسرائيل بإثارة مشاكل أو الامتناع عن تنفيذ الحُكم من ناحية أُخري.
لقد نجحت الجهود المصرية وصدر حُكم محكمة التحكيم فى 29 سبتمبر عام 1988 بتأييد وجهة النظر المصرية، والموافقة على أن الأماكن التى حددتها مصر كموقع للعلامات على الحدود الدولية بين البلدين هى الأماكن الصحيحة، وبدأت جولة جديدة من معركة تحرير طابا تعلقت بتنفيذ الحكم.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية