تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

إسرائيل ليست فوق القانون

سوف يتوقف الباحثون والدارسون طويلا أمام دلالات ما حدث يومى 11 و12 يناير 2024، عندما اجتمع قضاة محكمة العدل الدولية فى مقرها بقصر السلام فى مدينة لاهاى الهولندية، للنظر فى الدعوى المُقدمَة من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، والتى تتهمها فيها بممارسة جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين فى غزة، مما يعد انتهاكا لالتزاماتها القانونية وفقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ومُعاقبة مُرتكبيها الموقعة فى عام 1948.

 

كان توقيع هذه الاتفاقية عقب الكشف عن فظائع النظام النازى ضد اليهود والسلاف والغجر، والتى ظهرت فى محاكمات نورمبرج للمسئولين والضباط الألمان والتى استمرت جلساتُها خلال عامي1945-1946، فتبلورت إرادة عالمية بأن ما حدث لا يجب ألا يتكرر مرة أخرى. فأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر عام 1946 إعلانا بأن الإبادة الجماعية جريمة وفقا للقانون الدولى تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها.وأعقب ذلك، بدء مباحثات لعقد اتفاقية دولية بهذا الشأن، أسفرت عن توقيع الاتفاقية فى عام 1948، وبدأ سريان العمل بها فى عام 1950، بعد تصديق 20 دولة عليها. وانضمت إليها إسرائيل عام 1951. أما جنوب إفريقيا، فقد انضمت إليها فى عام 1998 بعد سقوط نظام الفصل العُنصرى فيها، ويبلغ عدد الدول المنضمة إليها الآن 153 دولة.

تنبع أهمية هذا الحدث من طبيعة الاتهام الموجه إلى إسرائيل، فوفقا للمادة الثانية من الاتفاقية:يُقصدبجريمة الإبادة الجماعية «الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلى أو الجزئى لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه». وحددت المادة هذه الأفعال في: قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدى أو روحى خطير بأعضاء من الجماعة، وإخضاع الجماعة عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادى كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى. فى هذا السياق، حددت المادة الثالثة الأشخاص الذين يجوز مُحاكمتهم للاتهام بمُمارسة هذه الجريمة وهم: المشاركون فيها، والمُتآمرون على ارتكابها، والمُحرضون بشكل مُباشر وعلنى على ارتكابها، ومحاولة ارتكابهاوالاشتراك فيها.

يزداد الأمر حرجا بالنسبة لإسرائيل من حيث إنها كانت من الدول التى قامت بدور نشط فى الدعوة إلى إبرام هذه الاتفاقية، وذلك باعتبار ما تعرض له اليهود الألمان من جرائم الإبادة الجماعية فى العهد النازي، والمكانة التى يشغلها هذا الحدث فى التاريخ اليهودى المعاصر، وحرص إسرائيل على تذكرة العالم به. فأقامت نصبا تذكاريا باسم «ياد فاشيم» لذكرى ضحايا المحرقة النازية توضع زيارته ضمن برامج زيارات الرؤساء والقادة الأجانب لها، كما تحرص على إحياء هذه الذكرى فى أبريل من كل عام. وعلى سبيل المثال، ففى عام 2022 شاركت رئيسة مجلس النواب الاتحادى فى ألمانيا فى الاحتفال، وكررت فيه الاعتراف بمسئولية بلادها التاريخية. وأعاد الرئيس الإسرائيلى تذكير العالم بالفظائع النازية وأنه لا يوجد أى حدث آخر يُماثلُ جريمة الهولوكوست فى ألمانيا النازية. لذلك، فإن اتهام إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية أمام أعلى هيئة قضائية دولية يصبح حدثا استثنائيا. فمن قبل لم تتعامل إسرائيل مع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بجدية، وهى أكثر دول العالم صدرت قرارات بانتقاد ورفض سياساتها من الجمعية العامة، ورفضت أكثر من مرة استقبال لجان أممية لتقصى الحقائق بشأن سياساتها ضد الفلسطينيين.

كان قرار جنوب إفريقيا رفع الدعوى خُطوة مُتميزة تتسق مع تاريخها وما تعرضت له على مدى سنوات طويلة من وطأة الاستعمار الاستيطانى ونظام الفصل العُنصري. وقد أعد وفد جنوب إفريقيا ملفا قانونيا مُحكمًا تألف من 84 صفحة، اعتمد فيه على نصوص تصريحات القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، وعرض شرائط فيديو تصور أفعالا وأقوالا للجنود الإسرائيليين المشاركين فى الأعمال القتالية. وذلك لإثبات أن ما تقوم به إسرائيل فى قطاع غزة يدخل ضمن الأفعال التى تشكل جريمة الإبادة الجماعية، مثل الحصار الشامل لغزة برا وبحرا، والمماطلة فى إدخال المعونات الإنسانية والإغاثية، والتعسف فى إجراءات التفتيش على الجانب الذى تسيطر عليه إسرائيل مما يؤدى إلى تأخير وصولها إلى من يحتاجون إليها، ومنع بعض المواد كالوقود لفترة، وان هذه الأفعال تم تخطيطها وتنفيذها بنية الإبادة الجماعية. وطالبت جنوب إفريقيا المحكمة باتخاذ القرارات الاحترازية بوقف الأعمال المسلحة الإسرائيلية بشكل عاجل وإدانة إسرائيل بتهمة جريمة الإبادة الجماعية.

وجاء رد فريق الدفاع الإسرائيلى مليئًا بالدفوع السياسية وليس القانونية، فاتهم حماس بأنها هى التى قامت بجريمة إبادة جماعية فى 7 أكتوبر ضد الإسرائيليين، وان إسرائيل تمارس حقها فى الدفاع عن النفس، وأن الأعمال العسكرية الإسرائيلية فى غزة لا يمكن وصفها بالإبادة الجماعية، وأرجع ما يعانيه المدنيون إلى استخدام حماس لهم كدروع بشرية، واتهمها أيضا باستخدام المستشفيات والمدارس ودور العبادة كمقرات لأنشطتها. وطالب المحكمة برفض اتخاذ القرارات الاحترازية التى طلبتها جنوب إفريقيا، بدعوى أن ذلك يحرمها من حق الدفاع عن النفس خاصة بعد أن انخفضت حدة القتال، كما طالب بشطب الموضوع من جدول أعمال المحكمة. فى 7 يوليو 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشارى الذى خلصت فيه إلى ان قيام الجيش الإسرائيلى ببناء الجدار العازل فى الضفة الغربية والقدس يمثل انتهاكا للقانون الدولى لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنساني. ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى ضرورة أن «تضع نهاية لهذا الانتهاك» بوقف البناء، وان عليها دفع تعويضات للفلسطينيين عن الخسائر التى ترتبت على البناء. فما أشبه اليوم بالبارحة! والعالم كُله فى انتظار ما سوف يُقرره قُضاة المحكمة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية