تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
إسرائيل الكبرى
كان أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة محقًا تمامًا عندما دعا دول العالم إلى الاعتراف بدولة فلسطين وعدم الخشية من رد فعل حكومة إسرائيل التى هدد مسئولوها بأنها سوف تصدر قرارا بضم الضفة الغربية إذا ما حدث ذلك، مشيرًا إلى أن هذه الحكومة ماضية فى ضم الأراضى الفلسطينية المُحتلة بغض النظر عما يحدث فى الأمم المتحدة.
منذ بدايتها استخدمت الحركة الصهيونية بعض نصوص»سفر التكوين» و»سفر الخروج» الخاصة بأرض بنى إسرائيل، لتبرير حق اليهود فى إقامة دولة لهم فى فلسطين، بل وأن تمتد حدودها إلى ما وراء ذلك.
دافع عن ذلك صراحة فلاديمير جابوتنسكى وأنصاره من حركة الصهيونية التصحيحية. أما الاتجاه العملى الواقعى الذى مثله دافيد بن جوريون، وقبل قرار التقسيم عام 1947، فإنه اعتبر ذلك خطوة مرحلية أو تكتيكية دون التخلى عن هدف إسرائيل الكبري. وكتب لابنه عاموس أن قبول هذا التقسيم هو خطوة أولى لامتلاك كل الأرض فى المستقبل.
وعندما قرأ بن جوريون إعلان قيام الدولة فى مايو 1948، لم تكن هناك إشارة إلى حدود هذه الدولة، ومازالت الوثائق الرسمية الإسرائيلية تتحاشى الإشارة إليها، لأن الحدود الراهنة فى العقل الصهيونى هى ترتيبات مرحلية يمكن تغييرها وفقًا لموازين القوة.
وهذا هو ما حدث بالفعل، قبلت الوكالة اليهودية قرار التقسيم الذى أعطى لليهود نحو 55% من مساحة فلسطين تحت الانتداب، وعملت فى نفس الوقت على ترويع الفلسطينيين والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم، واستخدام العنف لإجبارهم على مغادرة ديارهم فى المناطق التى كانت مخصصة للدولة الفلسطينية العربية. لذلك، عندما انتهت حرب 1948، كانت القوات الإسرائيلية تسيطر على 78% من أرض فلسطين. استمرت أحزاب اليمين الإسرائيلى فى إعلان رفض قيام دولة عربية على أى جزء من فلسطين. فطالب حزب حيروت بقيادة مناحم بيجن بسيادة إسرائيل على جميع الأراضى على ضفتى نهر الأردن، باعتبارهما جزءًا من أرض إسرائيل التاريخية.
جاء احتلال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة إضافةً إلى سيناء المصرية والجولان السورية عام 1967، إحياء لهدف إقامة إسرائيل الكبري، واعتبر أنصار اليمين أن ما حدث « إرادة إلهية" ، وتحقيق «للوعد التوراتي» بمد ملك بنى إسرائيل من النيل إلى الفرات.
وبدأت جهود مكثفة للاستيطان فى الضفة الغربية وقطاع غزة وذلك فى مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولى التى تمنع نقل المدنيين من دولة الاحتلال إلى الأراضى المحتلة.
وورث حزب الليكود الذى تأسس عام 1973 الأفكار المتشددة لحيروت، فورد فى برنامجه رفض إقامة دولة فلسطينية واعتبار ضم الضفة وغزة هدفًا ينبغى تحقيقه. لذلك، فعندما وصل رئيسه بيجن بحلول عام 1977 لأول مرة إلى الحكم، حمل معه التزاما أيديولوجيًا بإسرائيل الكبري، خصوصا فى «يهودا والسامرة» وهو الاسم التوراتى للضفة الغربية. وفى عهده، توسع الاستيطان فى الأراضى المحتلة بشكل غير مسبوق، وأكد أن إسرائيل لها السيادة على الضفة الغربية، باعتبارها «أرضا محررة عاد اليهود إليها»، وأن كُل ما يُمكن للفلسطينيين أن يتطلعوا إليه هو نوع من الحكم الذاتى محدود الصلاحيات. ولكنه تجنب ضمها خوفا من الخطر الديمجرافي، بسبب زيادة مُعدل الإنجاب لدى الفلسطينيين، وأن تتحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية.
استمرت الحكومات الإسرائيلية خاصة تلك التى كونتها أحزاب اليمين المُتطرف فى دعم الاستيطان فى الأراضى المحتلة، ودعا بعض المسئولين إلى تطبيق سياسة «الترانسفير»، وترحيل العرب واعتبار أن الأردن هى الدولة الفلسطينية.
ورغم أن عملية السلام تطورت فى مطلع التسعينيات، فتم توقيع اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير عام1993، واتفاقية وادى عربة مع الأردن عام 1994، فإن الحقائق على الأرض سارت فى اتجاه مخالف فزاد عدد المستوطنين والمستوطنات، ومثل وصول نيتانياهو إلى الحكم فى عام 1996، نقطة تحول فى سياسة إسرائيل، واتجاهات تصويت الناخبين. فمنذ هذا الوقت وحتى الآن، تولى الحكم فى أغلب السنوات حكومات تنتمى لأحزاب اليمين المُتطرف، أسهم كل منها فى تبنى سياسات وتطبيق إجراءات لدعم الاستيطان.
كان من أحدثها، موافقة الحكومة الإسرائيلية فى أغسطس 2025 على مشروع E1 فى المنطقة ما بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم كبرى مستوطنات الضفة، مما يؤدى إلى فصل شمال الضفة عن جنوبها، واستكمال بناء شبكة الطرق مما يمزق أوصال الضفة الغربية، ويتضمن مصادرة مساحات واسعة من الأراضي. الأمر الذى وصفه بعض المراقبين بأنه محاولة إسرائيلية لدفن حل الدولتين.
فى هذا السياق، تكررت التهديدات بضم المنطقة «ج» من الضفة، التى تمثل نحو 60% من مساحتها وتقع تحت السيطرة الفعلية لإسرائيل حسب اتفاق أوسلو. بل ووصل الأمر إلى التهديد بضم «غور الأردن» بأكمله لإسرائيل تحت ذرائع أمنية وتوراتية.
ورغم اضطرار نيتانياهو عام 2009 للإعلان عن قبوله حل الدولتين فى خطابه بجامعة بار إيلان تحت الضغط الدولي، إلا أنه تراجع فعليًا عن ذلك لاحقًا واستمر فى وضع العقبات أمام أى تقدم تفاوضي، بالتوازى مع توسيع الاستيطان على الأرض.
ليس من المُبالغة، فى ضوء ذلك، القول بإن هدف إقامة إسرائيل الكُبرى ظل المحرك الأساسى للسياسة الإسرائيلية تجاه الأراضى الفلسطينية المحتلة، وخصوصًا تحت حُكم أحزاب اليمين المُتطرف، وعندما كان الضغط الدولى يشتد على إسرائيل، كان سياسيوها يغلفون هذا الهدف بعبارات مُنمقة، لكن سُرعان ما كان يتم التخلى عن ذلك والعودة إلى مواقفهم الأصلية. غير أن ذلك ينبغى ألا أن يُثنينا عن التمسُك بهدف الدولة الفلسطينية. فإزالة الاستيطان هى مسئولية من صَنَعه.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية