تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. علي الدين هلال > احتفال المصريين بقدوم شهر رمضان

احتفال المصريين بقدوم شهر رمضان

بعد أيام قليلة يحل علينا شهر رمضان المُبارك والذى تعامل معه المصريون دومًا على أنه مناسبة دينية واحتفالية تُشيعُ جو الفرحة والبهجة والتراحُم بينهم. تبدأ هذه المشاعر مع الأيام الأخيرة من شهر شعبان، ثم يتبعها رؤية الهلال، وطقوس الصيام والإفطار والصلاة، وصولًا إلى وداعه واستقبال عيد الفطر.

قبل قدوم الشهر وعلى مدى قرون، كانت مساجد القاهرة والمدن الكبيرة تستعد لاستقباله بإعادة طلاء الجدران والمبانى، وتجديد الحُصر، والتأكد من نظافتها، وضمان الإضاءة الكافية فيها بإعداد القناديل اللازمة لإنارة ساحات المساجد ومآذنها طوال الليل. وارتبط بذلك رواج بيع الشموع فى سوق الشماعين فى منطقة النحاسين فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر. كانت حوانيت الشموع تعمل حتى منتصف الليل،وتعلق على أبوابها أنواع مُختلفة من الشموع من شتى الأحجام، وكان بعضها ضخمًا يزن ما يزيد على عشرة أرطال (جمع رطل) للاستخدام فى المواكب.

تعود المصريون شراء الياميش، الذى اقتصر عموما فى الريف على البلح الإبريمى والفول السودانى، بينما تعددت أصنافه فى المدن، فشملت التمر وقمر الدين والزبيب وجوز الهند التى كانت تُنتج محليًا، ثم الأصناف الأغلى ثمنًا كاللوز والبندق وعين الجمل والأنواع الفاخرة من قمر الدين والزبيب والتى كانت تستورد من الشام،فكان التجار يأتون إلى القاهرة ببضاعتهم لبيعها فى الأسواق التى كان أهمها الجمالية، وبولاق أبو العلا،ووكالة البلح، والفجالة أو باب البحر، وساحل روض الفرج، وبعضها ما زال قائمًا حتى الآن.

أما رؤية هلال رمضان، فقد اختلفت ممارسات حكام المصريين بشأنها. فعلى مدى مئات السنين تم الاستطلاع بواسطة الرؤية الشرعية التى توافق العلماء وقتها على أنها تتم بالرؤية البصرية للهلال، فكان الشيوخ والقُضاة يذهبون إلى الأماكن المرتفعة ومن أشهرها دكة القضاة أعلى سفح جبل المقطم أو يصعدون إلى إحدى المآذن العالية لرؤية الهلال. وكانت ليلة الرؤية ليلة حافلة بالأحداث ينتظرها أهالى القاهرة من عام إلى عام.

كانت العادة فى هذه الليلة أن يخرج قاضى القضاة بصحبة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، ومعهم المحتسب فى موكب مهيب، يتبعهم فيه كبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف، وذلك لاستطلاع الهلال وسط حشد من الناس حاملين المشاعل والشموع والفوانيس. وعندما تتحقق الرؤية، يصدر الأمر بإضاءة المآذن والشوارع والدكاكين بالقناديل والشموع، وكان هذا المشهد يتكررُ فى المدن المصرية الأخرى، واجتذب هذا الموكب انتباه كبار المؤرخين مثل ابن بطوطة والمقريزى وابن اياس الذين سجلوا أحداثه فى كتبهم.

انقطعت هذه العادة فى فترة الخلفاء الفاطميين (909-1171)، الذين اعتمدوا على الحسابات الفلكية بدلًا من الرؤية البصرية، وتبنوا تقويمًا قمريًا تم على أساسه تحديد الشهور العربية بحيث يكون أحدها تامًا أى ثلاثين يومًا، والآخر ناقصًا أى أقل من ذلك. وبناء على ذلك، فقد كان شهر شعبان من الشهور الناقصة الأيام وشهر رمضان من الشهور التامة بشكل دائم. وحل محل موكب الرؤية موكب آخر لم يقل جلالًا وإبهارًا هو موكب السُلطان، ففى آخر أيام شهر شعبان يخرج السُلطان مُرتديًا أفخم حُلله مُمتطيًا جواده ليطوف فى شوارع القاهرة ويُحيط به الأُمراء وكِبار المسئولين والفُرسان، ويتبعهم الجُند. وكان أعوانه يُوزعون الدنانير والهدايا على أصحاب الحوانيت والنظارة والمارة.

وبانتهاء الخلافة الفاطمية، عادت مواكب الرؤية فى العهود المملوكية والعثمانية وصولًا إلى فترة حكم محمد على فى القرن التاسع عشر، حيث نجد وصفًا تفصيليًا لموكب استطلاع الهلال فى كِتاب المستشرق البريطانى وليم لين عن عادات المصريين وتقاليدهم. وظلت صورة هذا الموكب حاضرة فى وجدان أدباء مصر، فوصف يحيى حقى الموكب بأنه تتقدمه مجموعات من موسيقى السوارى يتبعهم المشاة على الأقدام، فرؤساء المهن والحرف الشعبية والتى يتصدر كل منها كبيرها. ومع اتساع مدينة القاهرة وتغير أحوالها، تراجعت أغلب مظاهر هذا الاحتفال ولم يبق سوى إعلان المفتى مولد الهلال فى حفل رسمى تبثه شبكات الإذاعة والتليفزيون.

وعلى مائدة الإفطار تظهر أصناف من الطعام والشراب ترتبط بهذا الشهر، مثل الخشاف واللفظ اشتقاق من كلمة خشف باللغة العربية، وأحد معانيها الثمار الجافة، فيقال خشف التمر خشفًا أى أصبح جافًا يابسًا. ويعنى الخشاف فى الأصل منقوع التمر، وأضيف إليه التين والزبيب وبعض الفواكه المجففة كالمشمشية والقراصيا.

يمتد الليل فى رمضان، فكان الأطفال يلعبون فى الحارات والأزقة حاملين الفوانيس الصفيح المضاءة بالشموع والتى كان يقوم بتصنيعها السمكرية، وكان الكبار يذهبون إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، ثم يجلسون على المقاهى بعد ذلك، أما النساء فكن يتبادلن الزيارات المنزلية. ووصف نجيب محفوظ هذه الأجواء فى منطقة الحسين، فكتب السهر حتى الفجر، والأطفال فى الشارع بالفوانيس، والأنوار والإضاءة فى كل مكان، وكأن هناك مهرجانا لاينقطع طوال الليل.

وتبارى الأغنياء فى فتح أماكن الضيافة فى منازلهم فى المساء لاستقبال الزوار والاستماع إلى القرآن الكريم وترديد أسماء الله الحسنى والاستماع للابتهالات الدينية. وبعد دخول الكهرباء فى العقد الأخير من القرن التاسع عشر، تنافس التجار وأصحاب المحلات على تعليق زينات كهربائية أمام محلاتهم وفى الشوارع. جاءتنى هذه الخواطر ونحن فى الأيام الأخيرة من شهر شعبان، نتطلع إلى لقاء شهر رمضان الذى ترتبط بدايته فى الوجدان الشعبى المصرى ببث الإذاعة أغنية الفنان عبد العزيز محمود التى غناها لأول مرة عام 1966، من ألحانه وكلمات الشاعر محمد على أحمد، والتى تقول:

مرحب شهر الصوم مرحب لياليك عادت فى أمان

بعد انتظارنا وشوقنا إليك جيت يا رمضان.

وكل عام ونحن جميعًا بخير

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية