تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. علي الدين هلال > 70 سنة على إعلان الجمهورية فى مصر

70 سنة على إعلان الجمهورية فى مصر

مع تحرك الجيش فى 23 يوليو 1952، تسارعت عجلة الأحداث فى مصر. وبعد ثلاثة أيام، تم إجبار الملك فاروق على التنازل عن العرش لنجله الأمير أحمد فؤاد، وغادر الملك على متن يخت المحروسة إلى منفاه فى إيطاليا. ونظرًا لأن وريث العرش كان طفلًا، تم تكوين مجلس للوصاية لتولى مهام العرش من الأمير مُحمد عبدالمنعم، وبهى الدين بركات، والقائمقام رشاد مهنا، حتى يصل ولى العهد إلى السن القانونية.

 

لم يكُن هذا المسار مقبولًا لدى قطاع مِن المُفكرين المصريين وكان أبرزهم د. طه حسين الذى أعلن فى حوار صحفى له مع الأستاذ سامى داوود بمجلة روز اليوسف فى ديسمبر ١٩٥٢ دعوته للأخذ بالنظام الجمهورى، وناشد رجال الثورة بإلغاء مجلس الوصاية.

سارت الأحداث فى هذا الاتجاه، وأصدر مجلس قيادة الثورة ثلاثة إعلانات دستورية غيرت من شكل نظام الحُكم فى مصر: الإعلان الأول فى 10 ديسمبر 1952 قضى بسقوط دستور 1923، وكان ذلك يعنى انتهاء مصدر الشرعية للنظام الملكى وحكم أُسرة مُحمد على، وللمؤسسات السياسية التى كانت قائمة وقتذاك. وأعقب ذلك صدور مرسوماً فى 13 يناير 1953 بتشكيل لجنة من 50 عُضوًا برئاسة على ماهر لوضع دستور جديد. وكان من أهم توصيات اللجنة المبكرة أن يكون نظام الحكم فى مصر جمهوريًا برلمانيًا.

وصدر الإعلان الثانى فى 16 يناير 1953الذى تقرر فيه حل جميع الأحزاب السياسية، وذلك بدعوى أن الأحزاب على طريقتها القديمة وبعقليتها الرجعية لا تُمثل إلا الخطر الشديد على كيان البلاد ومُستقبلها. وأشار البيان إلى فترة انتقالية لمُدة ثلاث سنوات.

وصدر الإعلان الثالث في10 فبراير 1953، الذى كان بمثابة الدستور المؤقت خلال فترة الانتقال فنص فى المادة 8 على أن يتولى قائد الثورة بمجلس قيادة الثورة أعمال السيادة العُليا، وفى المادة 9 على أن يتولى مجلس الوزراء السُلطة التشريعية. ووقع البيان اللواء مُحمد نجيب بصفته القائد العام للقوات المُسلحة وقائد ثورة الجيش.

وفتحت هذه الإعلانات الثلاثة الباب للتغيير الأعمق وهو إعلان الجمهورية وبالفعل، ففى يوم الخميس 18 يونيو عام 1953، أى فى مثل هذا اليوم من 70 سنة، أصدر مجلس قيادة الثورة البيان الدستورى رقم 4الذى عدد فيه مساوئ حُكام أُسرة مُحمد على خصوصًا إسماعيل وتوفيق وفاروق، مُعلنًا إلغاء النظام الملكى، وحُكم أسرة محمد على، مع إلغاء الألقاب من أفراد هذه الأُسرة، وإعلان الجمهورية على أن يتولى الرئيس اللواء أركان حرب مُحمد نجيب قائد الثورة رئاسة الجمهورية مُضيفًا أن هذا الوضع سوف يستمر خلال المرحلة الانتقالية على أن يكون للشعب بعدها الكلمة الأخيرة فى تحديد نوع الجمهورية واختيار شخص الرئيس. وتم إعلان هذا اليوم عيدًا للجمهورية واختيار قصر عابدين ليكون مقرًا لرئاسة الجمهورية وسُمى القصر الجمهورى

وفى اليوم التالى، كان مانشيت جريدة الأهرام هو سقوط أُسرة مُحمد على وإعلان الجمهورية وأن اللواء مُحمد نجيب تولى منصبى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وأن البكباشى جمال عبدالناصر تولى منصبى نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية. وفى تصريح لعبدالناصر عن أسباب الأخذ بالنظام الجمهورى قال: الثورة قامت لتخليص الشعب من تحالف الاستعمار والملكية والإقطاع... وجود مصرى صميم على رأس الدولة يُقوى مركزها فى العالم الخارجى... كراهيتنا للنظام الفاسد البائد لا تعنى معاداة النظام الملكى خارج حدودنا. ويبدو أنه أراد بالفقرة الأخيرة من هذا التصريح طمأنة الدول الملكية العربية وغيرها من سياسات النظام الجديد.

لم يكُن إعلان الجمهورية بالأمر السلِس فقد شهدت هذه الفترة تصاعد الخلافات بين نجيب من ناحية وعبدالناصر وبقية أعضاء مجلس قيادة الثورة من ناحية أُخرى لأسباب عدة تخرج عن نطاق هذا المقال. المُهم أن استمرار هذه الخلافات أدى باللواء نجيب إلى تقديم استقالته فى 23 فبراير 1954. ونظرًا لالتفاف الشعب حوله فى هذا الوقت، فقد صدر أمر وقعه جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة ونشرته جريدة الوقائع الرسمية فى 27 فبراير 1954 من سطر واحد قضى بتعيين اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيسًا لجمهورية مصر البرلمانية. ولأول مرة، ظهر وصف البرلمانية فى مُسمى الجمهورية كامتداد للخلاف الناشب فى البلاد بين أنصار العودة إلى النظام البرلمانى وإجراء انتخابات وهو الرأى الذى أيده نجيب، وكُل من خالد محيى الدين ويوسف صديق، وأنصار استمرار مجلس قيادة الثورة فى الحُكم والتمهيد لنظام حكم رئاسى وهو الرأى الذى تبناه عبدالناصر وأغلبية أعضاء مجلس قيادة الثورة. واستمرت المواجهات بين الطرفين وانتهت بانتصار مجلس قيادة الثورة الذى أصدر قرارًا فى 15 نوفمبر 1954 بإعفاء السيد الرئيس اللواء محمد نجيب من جميع المناصب التى يشغلها على أن يبقى منصب رياسة الجمهورية شاغرًا, وعلى أن يستمر مجلس قيادة الثورة بقيادة عبدالناصر فى ممارسة اختصاصاته.

بعدها بسنة وشهرين، صدر أول دستور للجمهورية المصرية فى 16 يناير 1956 وتم إجراء استفتاء شعبى فى شهر يونيو للموافقة عليه ولاختيار جمال عبدالناصر رئيسًا للجمهورية. وبهذا الاستفتاء بدأت مِصرُ مرحلة جديدة من تطورها السياسى والمؤسسى. وكما يتضح من هذا المقال، فإن الأخذ بالنظام الجمهورى جاء فى خضم صراع سياسى مُحتدم ولم تكُن الجمهورية مُجرد شكل لنظام الحُكم وإنما ارتبطت فى فكر قادة الثورة بمُحاربة الاستعمار والإقطاع ودعم الهُوية المصرية.

ولم يكن ذلك مقصوراً على مصر، ففى كثير من دول العالم ارتبطت الجمهورية بمجموعة من القيم والمفاهيم التى أرجو أن أتناولها فى مقال الأسبوع القادم إن شاء الله.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية