تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
50 عامًا على رحيل دكتور نجيب محفوظ
موضوع هذا المقال هو نجيب محفوظ أحد أعظم الأطباء المصريين فى القرن العشرين والذى سُمى الأديب العالمى نجيب محفوظ على اسمه تيمنًا به، ولأنه كان الطبيب الذى أجرى عملية ولادة صعبة عام 1911 كادت تودى بحياة السيدة فاطمة والدة أديبنا العظيم.
ولد الطفل نجيب بمدينة المنصورة يوم الخميس 5 يناير 1882، لأسرة ميسورة الحال، وأظهر مبكرا شغفا بالمعرفة والأدب والعلم. ولكن تبدلت الأحوال بعد وفاة والده، وذاق شظف العيش. فتوقف شقيقه الأكبر عن الدراسة، والتحق للعمل بوزارة الأشغال للإنفاق على الأُسرة. أما نجيب فقد حصل على شهادة البكالوريا من مدرسة التوفيقية الثانوية عام 1898، ثُم التحق بمدرسة الطب بقصر العيني.
وفى 1902، اجتاح مصر وباء الكوليرا، وتم تكليف طلبة السنة النهائية بمدرسة الطب بالعمل فى مكافحة الوباء، وكان نصيب الفتى الكشف على القادمين إلى محطة سكك حديد مصر بالقاهرة للتأكد من عدم إصابتهم بالمرض، ولكنه لم يقتنع بهذه المهمة. وعندما علم بوفاة الطبيب المساعد بقرية موشا بمديرية أسيوط بسبب المرض، سارع بالتطوع للعمل فى القرية، ونجح فى اكتشاف بئر المياه الذى كان مصدرالوباء بها، الأمر الذى أكسبه اعترافًا مُبكرًا بنبوغه الطبي. تخرج نجيب فى مدرسة الطب فكان أول دفعته، وقضى سنة الامتياز فى مستشفى السويس.
فى مطلع القرن العشرين، كانت الغالبية العظمى من النساء يلدن فى المنازل على يد «الداية» ولم تكُن هناك أقسام ولادة أو أطباء متخصصون فى هذا المجال. وكانت رسالة دكتور نجيب هى توفير المقومات العلمية والمادية لضمان عمليات الولادة الآمنة. فأنشأ لأول مرة عيادة خارجية لأمراض النساء بقصر العينى عام 1904. وعندما زاد الإقبال عليها، تم تخصيص عشرة أسرة بالقسم الداخلى بالمستشفى لحالات الولادة.
وفى العام الأول للعيادة، تم إجراء 160 عملية ولادة، تولى محفوظ مائة منها، تكلل جميعها بالنجاح. مما أدى إلى زيادة الإقبال عليها، فتم إنشاء قسم خاص بالولادة داخل المستشفى، واقترح د. محفوظ على مفتشى وزارة الصحة أن يقوم بإجراء عمليات الولادة فى منازل الفقراء مجانا، فرحبوا باقتراحه، مما اكسبه خبرة واسعة بمختلف حالات الولادة المتعثرة.
وفى عام 1919، تولى محفوظ رئاسة قسم الولادة بقصر العيني، وتوسع فى تقديم خدماته بالمجان بإنشاء عيادات ومراكز للولادة فى المناطق الشعبية، والتى كان من أولها بولاق وباب الشعرية. والى جانب قيامه بالتدريس فى كلية الطب لأجيال متعاقبة من الأطباء، وتأليفه عددا كبيرا من الكتب والبحوث العلمية باللغتين العربية والإنجليزية، اهتم د. محفوظ بتطوير التمريض، وأسس مدرسة للدايات فى داخل قصر العيني.
اتسع نشاط د. محفوظ ليشمل العمل الاجتماعى المرتبط بالصحة العامة، فكان عضوا بالمجلس الأعلى لجمعية الهلال الأحمر، ورئيسا لمجلس إدارة مستشفى الهلال الأحمر، وعضوا فى مجالس إدارات جمعية رعاية الأطفال، ومستشفى شبرا الخيري، والمستشفى القبطى الذى كان له دور فى تأسيسه عام 1926. كما نشط مع وزارة الشئون الاجتماعية فى جهود مكافحة الإجهاض، وألقى العديد من المحاضرات فى الندوات التى نظمتها جمعية النساء والولادة التابعة لوزارة الصحة.
كان د. محفوظ على صلة دائمة بالتطور الطبى فى أوروبا، من خلال إلقائه المحاضرات فى جامعاتها وحضور المؤتمرات العلمية فى مجال تخصصه. وكرمه عدد من الهيئات العلمية البريطانية، فتم منحه زمالة الكلية الملكية للولادة وأمراض النساء عام 1934، ودرجة الزمالة لكلية الجراحين الملكية عام 1943، والزمالة الفخرية لجمعية الطب الملكية عام 1947.ونقل محفوظ خبرته إلى زملاء المهنة من خلال الجمعيات العلمية المصرية، فكان الوكيل الأول للجمعية الطبية المصرية، ورئيسًا مدى الحياة للجمعية المصرية للولادة وأمراض النساء، وعضوًا بمجلس إدارة جمعية تاريخ العلوم. لهذا الرجل سجل حافل بالإنجاز، فقد حصل على درجة الأستاذية فى كلية الطب فى يناير1929ثُم عُين وكيلا لها. وعند وصوله سن التقاعد عام 1942، صدر قرار من مجلس الوزراء بمد خدمته أستاذا بالكلية لخمس سنوات.
وتقديرا لعمله، منحته الحكومة نيشان النيل عام 1919، ورتبة البكوية عام 1925، ثم الباشوية عام 1937، ثم نيشان المعارف من الطبقة الأولى. كما حصل على جائزة فاروق الأول عام 1951. وفى أول سنة لمنح جائزة الدولة التقديرية عام 1959، حصل عليها د.محفوظ فى مجال الطب، وتسلمها من الرئيس جمال عبد الناصر، والقى كلمة المكرمين فى الاحتفال بعيد العلم عام 1960. واستمر تكريم الدولة له بعد وفاته ففى عام 1979، منح الرئيس أنور السادات قلادة الجمهورية لاسمى المرحومين د. على باشا إبراهيم، ود. نجيب باشا محفوظ.
اعتقد د. محفوظ بان العمل وحده هو الطريق لتحقيق تقدم الإنسان والمجتمع، ودعا الشباب إلى عدم الاستسلام للمصاعب التى تواجههم، وان يتسلحوا بالجدية للتغلب عليها، وحذر من أن النجاح القائم على الشهرة الزائفة إنجاز كاذب لا ترضى به النفوس الكريمة. ودعا إلى الصدق مع النفس قبل الصدق مع الآخرين، وأعتقد أن أقوى ضروب الشجاعة هى شجاعة المرء فى مواجهة خطئه والاعتراف به ومحاولة إصلاحه. وإضافة إلى النجاحات التى حققها الرجل، فقد تمتع بالتواضع وبحس اجتماعى مرهف، وبوطنية مصرية صميمة، جعلته قريبا من وسطاء الناس. أخذ هذا الرجل نفسه بالحزم، والاستقامة والانضباط والإتقان واحترام قيمة الوقت، وكتب عن ذلك بوضوح فى مذكراته التى أصدرها بعنوان حياة طبيب، التى صدرت عام 1966، وكتب مقدمتها د.طه حسين.
هذا بعض من حياة د. نجيب ميخائيل محفوظ الذى قدم نموذجا فريدا لقدرة المصريين على النجاح والإنجاز والتفوق على المستويين المحلى والعالمي.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية