تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
خمسون عاما وحروب من نوع آخر
لم يكن انتصار أكتوبر 1973 آخر الحروب فى المنطقة العربية على عكس ما كان يتمنى المصريون المعاصرون، الذين تفاءلوا ببداية عصر سلام يحققون فيه لبلادهم كل ما أملوا لها من تعويض لما فاتها فى سنوات الحرب من تقدم ورخاء, لكن الاستعمار فى ثوبه الجديد لم يقنع إلا باستمرار استغلاله لثروات المنطقة التى سيطر عليها طويلا قبل أن يضطر للخروج منها عسكريا، بعد أن أنهكته الحروب العالمية حتى وإن خرج منها منتصرا, فاستمرار الاحتلال بالطريقة العسكرية القديمة صار أكثر كلفة، فكان اللجوء إلى الاستعمار بالوكالة، كما نرى فى علاقة فرنسا بدول الساحل وغيرها فى القارة الإفريقية، أو أن يقوم كيان صهيونى مزروع ومشمول بالدعم العسكرى والحصانة السياسية، ليكون وراء كل مؤامرات التقسيم والتفتيت للكيان العربى المحيط بمصرالتى استعصت عليه، وقد أيقن أن الإنسان المصرى المتمسك بهويته، المؤمن بحتمية دوره فى المنطقة منذ فجر التاريخ، سيكون دائما على استعداد لصناعة نصر جديد وقتما شاء، فكان لابد من زعزعة إيمان هذا الإنسان بهويته القومية، وتفكيك منظومته الاجتماعية والاقتصادية، حتى ينشغل بنزاعات طائفية ثم طبقية، فلا يعمل ولا ينتج، ولا يكون أمامه إلا أن يتسول غذاءه، فيفقد كرامته، ويصير دائما فى حاجة لإحسان مستعمره القديم، فيأخذ منه طواعية ما كان يغتصبه بالاحتلال.
كانت حرب الضغوط الاقتصادية التى خلخلت البنية المجتمعية، صاحبتها حرب معنوية عمدت إلى ضرب الثوابت القيمية، وتزييف للحقائق التاريخية التى يقوم عليها وعى المصريين بهويتهم الوطنية، فأرسلوا علينا من يدعى أن الاعتزاز بالوطن إثم عظيم، ويدعو إلى الاستخفاف بكل قادة الوعى الوطنيين والقوميين الذين عملوا على رفعة الوطن واستقلاله، والاستخفاف بكل نصر عسكرى يحققه أبناء مصر فى جيشها الوطنى، بل ويزرعون بذور التشكيك والكراهية بين الشعب وجيشه، وكأنهم لا يعلمون أن كل بيت فى مصر له فيه ابن أو أب أو أخ أو قريب. كانت وسيلتهم لذلك تحطيم منظومة التعليم الذى يبنى الشخصية الوطنية ويعزز الوعى بمقدرات البلاد، والنفور من اللغة العربية حتى ينصرف الناس عن القراءة وتحصيل المعارف من مصادر وطنية لا يتحكمون فيها، وتحويل الثقافة إلى وسيلة للترفيه والتسلية الماجنة، ثم الانحطاط بها لإفساد الذوق، وإفقاد القيم الأخلاقية مكانتها، بل والسخرية من أصحابها، وبديلا عن ذلك تصعد التكنولوجيا الحديثة عبر وسائل تواصل جديدة بالأفلام و الدراما الغربية المنتقاة بعناية، لجذب ذلك الإنسان قليل التعليم ضحل الثقافة، فيصير لديه نموذج بديل يمجد ما فيه من أفكار ويتخذ من أصحابها قدوة، فيحتلون العقول، فإن احتلوا العقل مال إليهم القلب . ثم يلجأون بين الحين والآخر إلى مناوشات عسكرية يختبرون بها قدرة ذلك الإنسان المصرى على الصمود. خمسون عاما من الحروب بالوكالة والاستعمار غير المباشر، لكنهم لا يعلمون أن المصريين يسعدون دائما بقدر الله بأننا دائما فى رباط إلى يوم القيامة، فما أجمل أن نعرف أننا أداة لتنفيذ قدر الله ومشيئته فى هذا الكون.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية