تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

صحوة تاريخية مصرية

منذ عقود استحوذ تاريخ مصر العظيم على شغف العالم. ومع ذلك، لطالما اعتبر المصريون تاريخهم هذا أمرًا مفروغًا منه وتقبلوه كأمر مسلم به، وكثيرون منهم تجاهلوا روعته سابقًا إلا أن اليوم هناك تحول كامل جعل المصريين مأخوذين بمجد تاريخهم الذى لا يضاهيه أى تاريخ آخر.

 

المصريون، الذين اعتادوا وجود الآثار والمعالم التاريخية وتعاملوا معها بعدم اكتراث، اليوم فجأة يعيدون اكتشاف تراثهم ويحتفلون به بحماس شديد. وقد عزّز هذا الاهتمام المتجدد افتتاح المتحف المصرى الكبير، المشروع الضخم الذى أصبح مصدر فخر وطنى. منح المتحف المصرى الكبير المصريين فرصة غير مسبوقة للتواصل مع تراثهم القديم فى بيئة حديثة وسهلة الوصول. افتتاح المتحف الكبير عزّز الشعور بالانتماء والتقدير بين المصريين، وشجّعهم على رؤية تاريخهم ليس كميراث بعيد، بل كسرد حى يستمر فى تشكيل هويتهم. لقد اقتنعوا أخيرا بأن هؤلاء الملوك والملكات العظماء الذين صمدوا أمام الزمن فى أوجه الصور هم بالفعل أجدادهم. 

لقد أسفر هذا التحول عن شعور ملموس بالفخر بين المصريين، فقد جمع المتحف بين الناس من جميع الأجيال والأطياف، معززاً الهوية الوطنية ومشجعاً على الاحتفال الجماعى بمكانة مصر فى التاريخ ليعبروا عن هذا الحماس بطرق متنوعة. يبذل المصريون الآن جهودًا متواصلة لزيارة المتحف والإشادة به. وقد شهد الإقبال على المتحف المصرى الكبير من قبل المصريين ارتفاعًا منذ افتتاحه، بمتوسط 19.000 زائر يوميًا وبعد افتتاح المتحف بأيام أدى تدفق نحو 27.000 زائر إلى إغلاق أبوابه فى وقت مبكر. 

مع افتتاح المتحف المصرى الكبير امتلأت منصات وسائل التواصل الاجتماعى بالمناقشات والصور والقصص التى تحتفل بالآثار المصرية واكتظت بتحديثات حية وانطباعات شخصية وغُمرت بالمنشورات التى تتضمن صورًا لمعمار المتحف والتحف النادرة المعروضة حديثًا. بالإضافة إلى ذلك، أتاح الاستخدام الواسع لأدوات تحرير الصور والفيديو التى اعتمدت على الذكاء الاصطناعى للمصريين فرصة التمثل افتراضيًا كالمصريين القدماء وارتداء ملابسهم على وسائل التواصل الاجتماعى من خلال هذه التطبيقات.

كما استجابت الشبكات التليفزيونية المصرية لهذه النهضة التاريخية من خلال توسيع تغطيتها للتراث المصرى. أولاً، تم بث مراسم افتتاح المتحف بالكامل- الذى كان أكثر من مجرد تدشين – كان تأكيدًا جماعيًا على الهوية الوطنية. ثم استمر بث أجزاء من مراسم الافتتاح على مر الأيام بشكل مستمر مع الرجوع إلى التاريخ وبث لمحات عن تاريخ المصريين الأجداد ليشعل مجددًا انتماء ملموسًا لماضى مصر. بالإضافة إلى ذلك، فإن البرامج الخاصة المكرسة لأسرار وإنجازات مصر القديمة أصبحت بارزة الآن فى جداول التليفزيون. غالبًا ما تتضمن أوقات الذروة مقابلات مع علماء الآثار والمؤرخين وأمناء المتاحف الذين يقدمون رؤى متخصصة حول آخر الأبحاث الجارية عن الاكتشافات الحديثة. هذا البث المتواصل لا يقوم فقط بإعلام الجمهور، بل ويشجعهم أيضاً على الفخر بقصتهم الوطنية.

علاوة على ذلك، اليوم تقوم المدارس والجامعات بإدراج المزيد من المحتوى حول الحضارة المصرية القديمة فى مناهجها الدراسية، ما يثير الاهتمام بين الشباب المصرى. ويستلهم الفنانون والمصممون المحليون أفكارهم من الرموز الفرعونية، ويقومون بدمجها فى الفن المعاصر والموضة والمساحات العامة، وبذلك ينسجون التراث القديم فى الهوية المصرية الحديثة. 

وبالإضافة إلى زيادة عدد الزوار فى المتاحف وتفاعلهم عبر وسائل الإعلام الاجتماعية والرسمية، من المرجح أن يظهر هذا التقدير المتجدد بطرق أخرى ذات مغزى. قد يتزايد دعم المصريين لمبادرات الحفاظ على التراث، والمطالبة بحماية المواقع التاريخية، والمشاركة فى مشاريع الترميم المجتمعية. بالإضافة إلى ذلك، قد يشهد المجتمع زيادة فى المهرجانات الثقافية والمعارض والمحاضرات العامة التى تركز على الإرث المصرى القديم، مما يعزز شعور الفخر التاريخى فى الحياة اليومية. هذه الجهود لا تحتفل بماضى مصر فحسب، بل تعزز أيضًا شعورًا أعمق بالمسئولية نحو الحفاظ عليه.

لا ندرى إذا كانت هذه الموجة من النشوة التاريخية ستستمر أم ستثبت أنها لحظة عابرة، فالأمر لا يزال مجهولاً. من المرجح أن تعتمد استدامة هذا الفخر المتجدد على الجهود المستمرة للحفاظ على تفاعل الجمهور، مثل التحديثات المستمرة للمعارض، المتحف، والبرامج التعليمية المبتكرة، والمشاركة الفعالة فى الحفاظ على التراث. إذا استمرت هذه المبادرات قوية وذات صلة، فقد يصبح الحماس المحيط بتاريخ مصر القديم قوة دائمة، متجذرة بعمق فى نسيج الحياة اليومية للمصريين.

ومع ذلك، إذا ضعف الزخم أو تحوّل اهتمام الجمهور، فإن هناك خطرا من أن يتلاشى هذا الحماس الحالى مع مرور الوقت. فى النهاية، سيعتمد مستقبل هذا الانتعاش التاريخى على مدى نجاح الحكومة والمؤسسات والمجتمع فى رعايته.

مع ذلك ما يحدث اليوم هو صحوة مجيدة يجب أن نفخر بها جميعاً.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية