تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
سياسة نكد الدنيا وصداقتها
تدخل القاعة الفخمة، المجهزة بكل أدوات التواصل والاتصال،إلا مشاعر الصدق!
تلك – لعمرى – محطة اختبار، لا فرصة لقاء رفيع. الحسناء التى تخاطبك بثلاث لغات، ليس بينهن لسان الصدق. وذاك الذى يحتل المقعد الأوسط يجعل الصف يختل من نهمه للميكروفون، ومن رغبته الملحّة – التى تراها رأى العين – أن يغرس فى أذنك جهاز تنصت، لا لحظة تواصل.
وفى مهنة السياسة، القائمة دائما على سوء الظن، يكون أول دروس الوعّاظ هو أن تضع أعصابك فى ثلاجة الوقت، وترسم على وجهك ملامح بلا تفاصيل.
أنا الآتى من صخب مجاميع الفن، ودراويش الكلمة، بقيت أكتب عن ضجيج الأرصفة،لا عن قاعات الهواء المعبّأ برائحة الترقّب. نُطلق أسماء بعضنا بصوت أقرب إلى الصراخ لا وضع المتوجّس القلق. هذا لقاء دبلوماسى ساخن رغم صقيع أوروبا ،يصفه متحدث بأنه رفيع، عن التحولات. أى تحولات؟!.
سؤال لا يفارق الذهن لحظة، وكل من حولك يُجيد طرح الأسئلة ولا يعرف طريقًا للإجابة. والمُضمر لك شرّاً يرتدى قفاز الصداقة، وعليك أن تؤكد له بلاهتك الطيبة، وألا تُظهر ملامح الخيبة المتزايدة.
لماذا يحضر الآن شيخنا، العارف بالحكمة، أبو الطيب المتنبى، مرددا معك «:ومن نَكَدِ الدنيا على الحرِّ أن يرى عدوًَا له ما من صداقتهِ بُدّ «. قيل – كما يذكر ابن عساكر فى تاريخ دمشق – وما أكثر حضور دمشق هذه الأيام فى محافل لا تدرى صدقها من زيفها!
أن المتنبى أنشد هذا البيت، فقيل له: على من تنبّأت؟. قال: على الشعراء. فقيل: لكل نبيٍّ معجزة، فما معجزتك؟ قال: هذا البيت. «ويروى قصة نقد سيبويه له، حيث أشار إلى أن البيت كان أجود لو قيل «ما من مداراته بد» ليدل على ضرورة التعامل مع العدو، ولكن المتنبى رد بذكاء موضحا أن المقصود هو أن الصداقة نفسها مع العدو نكد لا مفر منه».
وأشهد فى هذه اللحظة بأنه من أبلغ ما قيل، فى زمن تنهار فيه القيم، ويُعمل على تسييد الجهل، ويصفّق أهل الحلّ والعقل للحمقى، بل نسارع للاحتماء بأهل الباطل، ونطلب السلام ممن يشعل حرائق الحروب. ولعلّ ما قاله الفيلسوف الكندى آلان دونو ،فى كتابه الشهير نظام التفاهة. كان تكثيفا فكريا دقيقا. يشخّص هذا الانهيار القيمى الدولي؛ حين قال إن التفاهة بسطت سلطانها على العالم، لكنه لم يقل شيئًا عن حجم معاناتك ،وأنت مضطر للاستماع لأربع ساعات متقطعة من أحاديث مفككة؛
لا يزعجك فيها شيء بقدر ضحالتها، غير ركاكة مفرداتها.من متضخّم يقبع خلف طاولة ضخمة متصدرة للصورة والمكان .
وأعجبنى تعليق صديق شاعر ساقه سوء الحظ إلى الاجتماع،حين أنصت لكوكبة من المتحدثين، وكنا نسمع حكايات عن غضب شباب يشكون من سوء التعليم، فقال: الأحرى بهذه الكوكبة المنتشية بالطاولات الفاخرة، أن تشكر الشباب الغاضب وتنضم إليهم ،فهولاء أيضا ضحايا سوء التعليم قبلهم ، وإلا كيف جرح سمعنا متحدث أساسى بثلاثين خطأً لغويا ،خلال سبع دقائق؟.
ضحكتُ للتعليق، وأعجبتُ بقدرة شاعرنا على إحصاء الأخطاء؛ فذاك تركيز مدهش.
أما أنت، إن ساقك حسن الحظ لتكون فى مثل هذا المحفل ،فلا تهدر وقتك فى رصد أخطاء أهل المنصّات،بل فكّر كيف تجمع قواك فى تجميع عبارات للردود، لا تعنى بها شيئا، لكنها تُنجيك لتخرج سالما من اجتماع،الساعة فيه بألف سنةٍ مما يعدّون؛ حيث يُكرَّس الجهل ويُقدَّس الملل.
ولعلى أستعيد هنا. قول الشاعر الكبير عبدالله البردوني:
«تنسى الرؤوسُ العوالى نارَ نخوتها.. إذا امتطاها إلى أسياده الذنب»
وإن كنتُ من قبيلة ابى الطيب المتنبى فى معجزته التى لا تفارق بالى. فإنى أخرج وحيدا ،مرددا:
«ومن نَكَدِ الدنيا على الحرِّ أن يرى.. عدوًَا له ما من صداقتهِ بُدُّ»
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية