تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. عبدالعليم محمد > خطة ترامب.. صعود وسقوط الأساطير

خطة ترامب.. صعود وسقوط الأساطير

حظيت خطة ترامب بقبول دولى وعربى وفلسطيني، كما أنها حظيت بموافقة إسرائيلية؛ تجمع العديد من التحليلات والعديد من المراقبين على أنها موافقة أقرب ما تكون إلى الإذعان، وذلك رغم التعديلات التى قيل إن نيتانياهو وفريقه قد أدخلوها عليها قبل الإعلان عنها؛ مثل النص على «تجريد» حماس والمقاومة من السلاح بدلا من «إلقاء السلاح» وأن يرتبط عمق الانسحاب الإسرائيلى بوتيرة تجريد «حماس» من السلاح،

ومع ذلك فإن هذه التعديلات لو صحت لم تقلل من «الإذعان» أو «الخضوع» لإدارة البيت الأبيض وفق هذه الرؤى المختلف حولها والذى يعنى فى نهاية المطاف، فقدان استقلالية القرار الإسرائيلى فى مواجهة الولايات المتحدة، والتى اعتبرت ومعها العديد من بلدان التحالف الغربى المؤثرة والفاعلة كالمملكة المتحدة وفرنسا وكندا واستراليا وغيرهما من الدول الأوروبية، أن إسرائيل قد أصبحت فى نسختها اليمينية المتطرفة عبئا سياسيا وأخلاقيا غير مقبول وأصبح الدفاع عنه يفوق ويتجاوز السقف الممكن التعامل معه.

 

وبصرف النظر عن الغموض والقابلية للتأويل والثغرات التى تتضمنها بنود الخطة؛ مثل تجاهل إنهاء الاحتلال والاستيطان والتعويضات التى يفترض أن تقدمها إسرائيل للشعب الفلسطينى جراء الخسائر والقتل والدمار غير المسبوق لممتلكات الفلسطينيين وتحميل إسرائيل المساهمة الأكبر فى إعادة الإعمار فإن مشهد الإعلان عنها فى المؤتمر الصحفى الذى عقده ترامب ونيتانياهو كان ملفتا للنظر،

حيث نصب ترامب نفسه قاضيا باعتباره يمثل القوة الوحيدة عالميا التى بمقدورها أن تؤثر على إسرائيل وعلى قراراتها؛ لأنها تضمن أمنها وحصانتها وإفلاتها من الحساب والمساءلة، وتدعمها بالمال والسلاح والسياسة، فى المحافل الدولية والعالم كله يقبل بذلك شريطة أن يكون القاضى عادلا ومنصفا،

مكان «نيتانياهو» المجرم والملاحق دوليا بجرائمه أن يمثل فى قفص الاتهام وليس بجوار من نصب نفسه قاضيا خاصة أن نيتانياهو نفسه فى هذه الزيارة تحديدا سلك طريقا ملاحيا جويا معقدا لتجنب هبوط طائرته فى أحد مطارات الدول التى أعلنت أنها ستعتقله أو المرور فى مجالها الجوي،

وثمة أيضا ما هو أخطر عندما تحدث «ترامب» عن وضع النهاية لصراع دام ثلاثة آلاف عام، وهنا فإن الرئيس الأمريكى يعلن انحيازه مسبقا للرواية والسردية الإسرائيلية والتوراتية، التى تمثل وتعبر عن أيديولوجيا نيتانياهو وصحبه من غلاة اليمين المتطرف الإسرائيلى الذين أدان العالم انتهاكاتهم الجسيمة، ووضعوها تحت بند «الإبادة» وينظر اتفاقية «حظر الإبادة» وتنظر القضاء الدولى فيها إن فى المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية.

غير أن المهم أن التغيرات الإقليمية والدولية منذ 7 أكتوبر إن فى حرب الإبادة فى غزة أو التطهير العرقى فى الضفة أو فى لبنان أو إيران ومؤخرا فى قطر!

وأخيرا.. وليس آخرا تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب ووقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى وإدخال المساعدات، جميع هذه التطورات والتغيرات
ساهمت فى صعود الأسطورة الفلسطينية؛ أسطورة الصمود والعودة إلى غزة، فى اللحظات الأولى لبدء تنفيذ وقف إطلاق النار، عاد عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطينى إلى غزة وهم يعلمون ويعرفون أنهم يعودون إلى الدمار والرماد، وهو كل ما تبقى من بيوتهم، وهو تجسيد لمعنى الوطن والانتماء للأرض، يمنح الفلسطينيون لأطلال منازلهم معنى الخلود والبقاء والحياة، فهم من بنوا منازلهم وصنعوا مفاتيحها وأبوابها وقادرون على أن يبدأوا حياتهم مرة أخري،

فكم مرة تهدمت غزة وأعيد بناؤها بأيديهم، عاد الفلسطينيون ليكتبوا فصلا جديدا فى الحياة والبقاء والانتماء، ذلك أنهم يمتلكون ما لا يمتلكه الأقوياء والطغاة ألا وهو الإيمان بالحياة والأمل والثقة فى مستقبلهم وقدرتهم على أن يعيدوا بناء المعانى والمبانى والذكريات ويستعيدوا تفاصيل حياتهم.

الأسطورة الفلسطينية الملحمية فى الصمود والانتماء إن على الصعيد الشعبى أو على صعيد المقاومة فى أطول وأشرس الحروب فى مجرى الصراع. تمنح حياة الشعب الفلسطينى المعنى فى إطار قومى وسياسي،

وهذه الأسطورة بمثابة توجيه أخلاقى أو بوصلة توجه السلوك وتدعم الشعور بالاستمرار وتسوغ الماضى وتمنح الحاضر القوة والجذور وتوجه طاقة الأمل فى المستقبل.

وفى الوقت الذى صعدت فيه السردية والأسطورة الفلسطينية شهدت الأساطير والسرديات الإسرائيلية والصهيونية هبوطا مفاجئا ومتدرجا، حيث لم تعد إسرائيل منذ السابع من أكتوبر «ملاذا آمنا لليهود» بسبب الاحتلال والاستيطان والعدوان والتوحش الإسرائيلي، وأصبح المهاجرون منها أكثر من المهاجرين إليها، ومن يخرج منها لا يرغب فى العودة إليها.

وبالمثل انتهت أسطورة «أخلاقية الجيش الإسرائيلي» واستبعاد أن يرتكب جرائم حرب وإبادة، وطوال عامين أجمع العالم والمجتمع الدولى على أن عمليات هذا الجيش الاحتلالى العنصرى هى بمثابة «جريمة إبادة» أو «تطهير عرقي»، انهارت الصورة الأخلاقية المزيفة التى رسمت معالمها أجهزة الدعاية الصهيونية والإسرائيلية، وأصبحت إسرائيل بل والإسرائيليون قاب قوسين أو أدنى من العزلة.

وعلى غرار سقوط هذه الأساطير الصهيونية لقيت «أسطورة شعب الله المختار» حتفها، وهل يعقل بعد ما شاهده العالم فى غزة عبر البث المباشر، أن يختار الله شعبا ليقوم بقتل النساء والأطفال والرجال وأن يهلك الحرث والنسل والأخضر واليابس.

لقد خلت خطابات «ترامب» إن فى مؤتمر إعلان خطته أو فى الكنيست الإسرائيلى أو فى شرم الشيخ من أية كلمة عن معاناة الشعب الفلسطينى إن تحت الاحتلال أو من جراء الإبادة، على العكس من ذلك كاد يذرف الدمع على الأسرى الإسرائيليين وكأن لسان حاله يبرئ إسرائيل من جريمة الإبادة وقتل وإصابة ما يقرب أو ربما يزيد على 10% من سكان غزة، وكأن هذه الجريمة لم تقع أو كأنها حفظت أو قيدت ضد مجهول،

وقف الإبادة مهم، غير أن شروط هذا الوقف لا تقل أهمية لأنها تضمن عدم تكرارها أو إعادة إنتاجها، أما إذا ما بقى صاحبها بعيدا عن المساءلة والعقاب والحساب فإنه سيعاود الكرة ويأمن الإفلات من العقاب.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية