تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

فى مواجهة الأزمة

لماذا تبدو الأزمة الاقتصادية الراهنة والمتمثلة فى التضخم وارتفاع الأسعار من ناحية، وانخفاض قيمة العملة المصرية – الجنيه – من ناحية أخرى، أشد قسوة من أزمات سابقة جاءت منذ الانهيار الكبير الذى بدأ مع أحداث يناير ٢٠١١، ولم ينته لا مع تصاعد الإرهاب ولا مع هجوم الجائحة ومضاعفاتها؟ فعلى مدى دستة من السنوات -٢٠١١ إلى ٢٠٢٣ – كان على الشعب المصرى مواجهة واقع سياسى واقتصادى واجتماعى وأمنى صعب وحرج أحيانا من ناحية؛ والرغبة العاشقة فى بناء مصر من ناحية أخري. ومع ذلك فإن السائد فى الخطاب العام هو أن اللحظة الراهنة ذات طبيعة استثنائية وتدعو إلى خيبة الأمل، ولا يوجد سبب لهذه وتلك إلا لأن المعرفة العامة لما جرى ليس كافيا لفهم ما حدث والتضحيات العظيمة التى قدمت لتجاوزه، ولا كانت هناك تلك المقارنة بما كنا عليه من ظروف قاسية وكيف أصبحنا الآن بالفعل على أبواب القرن الحادى والعشرين. كان هناك دائما ذلك السؤال الذى يضع القضية فى حالة من المناقصة التى تقول وما الذى يدخل جيبى من كل ذلك؟ وبغض النظر عن أن هذا السؤال كان يأتى دائما من وسائل إعلام كانت منطلقاتها إخوانية الطابع؛ أو أنه كان سهلا طرحه من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، فإن الحقيقة الخاصة بعملية بناء الدول وتجارب العالم فى هذا المجال كانت فى معظم العالم غائبة. ساد التصور أن التنمية هى عملية لبناء أصول جديدة للدولة، وهذه الأصول ظاهرة وبائنة ولا تحتاج لا شرحا ولا منطقا والأهم أن هذه الأصول هى البيئة المادية التى لابد منها لكى تكفى الإنسان المصرى من الطاقة والماء والصرف الصحى والعيش فى بيئة مواتية لتوليد أجيال جديدة خالية من التشوه. فات على الجميع أن المشروع الوطنى كله قام على إدارة الثروة وليس إدارة الفقر، وأن لكل قرار زمنا وثمنا، وأن ذلك كان حالة من ذهبوا قبلنا إلى تلك المسيرة الصعبة لبناء الدول والأمم. غاب فى كثير من الأحيان ذلك السؤال الأساسى ماذا نريد لمصر، وما الذى على المصريين دفعه من أجلها، كما فعلت أمم قبلهم، وهل نريدها فعلا قائدة وعظيمة؟.

 

السردية المصرية لما جرى ظلت دوما موسمية، ليست بمعنى الزمن الذى تكون فيه طقوس متفاوتة فى حرارتها، وإنما بمعنى التجزئة فتنفصل أجزاء البناء إلى قطع لا يعرف فيها أحد علاقة العاصمة الإدارية الجديدة بمشروع «حياة كريمة»، ولا وضع نهاية للعشوائيات أو تقليص وجودها برفع حالة الصحة العامة، ونشر بيئة جديدة صالحة لعيش الأطفال والأجيال الجديدة. لم تعرف التضحيات التى قدمها ما هو أكثر من خمسة ملايين نسمة من العمال والملاحظين والمهندسين والمصممين وهم يعملون فى تلاحق ثلاث دورات عمل فى كل مشروع حتى تدخل السرعة إلى صميم ثقافة الأداء المصرى والتى نسيناها منذ بناء سد أسوان العالي. ولم يقص أحد كيف كان حال العاملين فى أنفاق قناة السويس الستة وهم يشعرون بأن مياه بحرين – الأحمر والأبيض المتوسط – تمر من فوق رءوسهم ومن بعدها تأتى سفن فيها بضائع وسلع لدول وأمم بطول العالم وعرضه. المشروعات كلها ولدت يتيمة من الدلتا الجديدة إلى توشكى إلى عمارة سيناء إلى محور قناة السويس إلى ممشى المصريين على نهر النيل أو شطآن مصر. فى نهاية المشوار لخصت الدعاية المضادة الأمر كله بأن ما يحدث هو طرق وكبارى، وأنه لا توجد ضرورة لبناء جامع أو كاتدرائية فيها الكبرياء والعظمة والحجم الذى تعطى الإنسان جرعة من ضرورة التواضع، تماما كما كان شعور الإنسان المصرى القديم أمام معبدالكرنك. السردية الأخرى جاءت لأن الإنسان المصرى لم تظهر بطولته وعمله ودأبه فيكون هناك وجه واسم وأسماء لكل مشروع وخطوة. وكانت المرة التى جرت هزيمة سردية الإخوان وتوابعهم عندما جاءت أعمال مسلسل «الاختيار» الفنية لأن البطولة كان لها وجه واسم، من أرض مصر جاءوا ومن رحم المصريين ولدوا، ولا يختلفون فى كثير أو قليل عن الأهل والجيران.

المحتوى ظل دائما إما غائبا أو قليلا أو متفرقا فى الجدوى، ولأنه تحول إلى حفل خاص بكل مناسبة على حدة، فإنه بات زعيقا يعلو فيه الحجر على البشر، والحنجرة على العقل. ليس معنى ذلك كله أنه لا توجد أزمة اقتصادية يمكن معالجة الخلل فيها بالعلم والمعرفة والإرادة والتعلم الواسع من الإنجازات والأخطاء. والحقيقة أنه لا يوجد موضوع واحد جاء فى متطلبات صندوق النقد الدولى لم ترد من قبل فى أحاديث الدولة المصرية من أول طرح ضرورة مشاركة القطاع الخاص وحتى إصلاح النظام الإداري. وإذا كان هناك درس علينا تعلمه فهو أن هناك دائما حدوث ما هو غير منتظر ولا متوقع؛ وعندما بدأت الحرب الأوكرانية ما كان علينا أن نفاجاً بالهروب السريع لرءوس الأموال الساخنة. هذه كانت فى الواقع ما حدث فى الدول الآسيوية البازغة عام ١٩٩٧؛ وكما أن هذه الدول تجاوزت الأزمة وتعلمت منها وأصبحت الآن داخلة فى دائرة النمو المستدام، فإن مصر يمكنها العبور أيضا بقدر ما تتعلم وتضيف. وإذا كانت الهند والصين حققتا الاكتفاء الذاتى فى القمح، ونجحتا فى جذب الاستثمارات العالمية رغم سكانهما الكثر، وارتفاع نسبة الفقر لديهما فى أوقات سابقة وتراجعها مع كل خطوة إلى الأمام، فإن مصر ليست استثناء من ذلك. ربما كنا نحتاج إلى مجموعة خاصة بالإنذار المبكر تجمع خيوط القضايا وتقدم الاختيارات، وكما تفعل مؤسسات المناخ والطقس، فإن المعرفة بالزلازل والأعاصير هى من ضرورات الحكمة التى ينبغى ألا تغيب عن المصريين.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية