تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. صبحي عسيلة > ولا تزال الحرب مستمرة ضد مصر!

ولا تزال الحرب مستمرة ضد مصر!

كالعادة، وكلما اقترب قطار العدوان الإسرائيلى على غزة من المحطة التى يتوق لها الفلسطينيون وتدفع مصر باتجاهها بكل إمكاناتها، يتم استهداف مصر ودورها، وكأن المطلوب ألا يصل القطار إلى تلك المحطة أو أن يعبرها دونما توقف. حددت مصر موقفها بشكل شديد الوضوح بشأن المحطات المرفوض توقف قطار ذلك العدوان بها، وتلك المحطات التى يمكن بل ويجب أن يتوقف بها. المحطات الممنوع التوقف فيها هى المحطات التى يحلم بها نيتانياهو ويمنى نفسه بها. أولى تلك المحطات هى محطة تهجير الفلسطينيين وتفريغ قطاع غزة من أهله، وجعلت مصر من تلك المحطة خطا أحمر. المحطة الثانية الممنوع أن يبلغها قطار العدوان الإسرائيلى هى محطة تصفية القضية الفلسطينية. وحددت مصر موقفها ذلك التزاما منها بدورها القومى ومنهجها لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى. وكما لم تسلم مصر طوال مراحل الصراع العربى الإسرائيلى من محاولات المتطرفين والراغبين فى توريط مصر بشكل دائم فى دوامة الصراعات لتشويه دورها والمزايدة «الفارغة» عليها، وهم الذين لم يقدموا للقضية الفلسطينية إلا كلاما «معسولا» وهتافات من كراسى المدرجات وهم يشاهدون الشعب الفلسطينى ينزف يوما بعد الآخر، وتتوه قضيته وسط سراديب قضايا المنطقة.

لم تتوقف مصر منذ اندلاع العدوان الإسرائيلى على غزة قبل عامين عن تقديم كل أوجه الدعم السياسى والإنسانى لصمود الشعب الفلسطينى، وعملت مع كل الأطراف المعنية سواء الفلسطينيين أو القوى الإقليمية والدولية للوصول إلى صيغة سياسية تسمح بوقف تلك الحرب التى نظرت إليها منذ يومها اليوم باعتبارها حرب «عبثية» ستدفع المنطقة برمتها إلى براثن الفوضى. وفى إطار تلك الجهود قدمت مصر مستفيدة من خبرتها الطويلة فى التفاوض والتعامل مع الإسرائيليين، العديد من المبادرات والأفكار التى مثلت لاحقا المرتكز الرئيس لكل الأفكار والخطط التى تم اقتراحها لإنهاء الحرب. أدركت مصر منذ عامين أن الوقت ليس فى صالح الفلسطينيين وأنه كلما تأخر الحل سيتعقد المشهد وتضيق الخيارات أمام حركة حماس، وأن نيتانياهو هو المستفيد الوحيد من إطالة أمد تلك الحرب.

مع وصول المشهد إلى حالة غير مسبوقة من التعقيد وانعدام الخيارات أمام حماس، وحالة الإنهاك الكبيرة التى وصلت إليها وكذلك إسرائيل، بدت الأجواء مهيأة لتدخل الرئيس الأمريكى بخطة لوقف الحرب. الخطة ناقش ترامب خطوطها العريضة مع الدول العربية والإسلامية فى نيويورك 23 سبتمبر الماضى، وهو الأمر الذى نظرت إليه مصر باعتباره خطوة يمكن البناء عليها. ومع إعلان ترامب خطته رحبت بها مصر ومعها الدول العربية والإسلامية، بل والمجتمع الدولى، ثم رحبت بها حركة حماس مفاجئة بموقفها ذلك إسرائيل نفسها، وبما يوجه «طعنة قاتلة» للقائلين بأن خطة ترامب المعلنة تختلف عما تم الاتفاق عليه فى اجتماع نيويورك، فترحيب حماس جاء بالخطة المعلنة!

إعلان مصر والدول العربية والإسلامية ترحيبها بخطة ترامب فى بيان مشترك أول أمس لا يعنى بأى من الأحوال أنها قررت نيابة عن حركة حماس، بل إن ترحيب حماس بالخطة لاحقا يعنى أن ثمة توافقا وتنسيقا قد تم بين تلك الدول وفى مقدمتهم مصر والحركة. فموقف مصر الثابت والدائم هو دعم ما يتوافق عليه الفلسطينيون وليس فرض تصور ما عليهم أو اتخاذ قرارات نيابة عنهم. الأمر الذى يعنى أولا أن حماس ومصر والأردن وتركيا والسعودية وقطر والإمارات وباكستان وإندونيسيا اتفقوا فى النظر إلى خطة ترامب باعتبارها «المحطة» التى يمكن أن يتوقف عندها قطار العدوان الإسرائيلى على غزة فى ظل اختلال بل انعدام توازن القوى بين إسرائيل وحماس. ويعنى ثانيا أن حماس وتلك الدول يعرفون وهم يرحبون بالخطة أنها لا تلبى كل الطموحات الفلسطينية لأنها لو فعلت ذلك لما وافق عليها الجانب الإسرائيلى الذى لا يريد لقطار عدوانه أن يتوقف. وتعنى ثالثا أنهم يدركون تماما أنه لا يمكن حل كل الخلافات وتحقيق كل الآمال بتلك الخطة، وأنه بدون وقف العدوان لا يمكن إتاحة المجال لمناقشة تلك الآمال. وتعنى رابعا أنهم جميعا يعتقدون أن الخطة وإن أنهت الحرب فإنها تفتح الباب لمعركة جديدة لا تقل أهمية خاصة فيما يتعلق بالشكوك حول التزام إسرائيل والضمانات التى يمكن أن تلزم الطرفين بمواصلة تنفيذ الخطة حتى نهايتها. وتعنى خامسا أنهم يدركون أن خطة ترامب ستتطلب كثيرا من العمل والتفاوض لوضع بنودها العامة موضع التنفيذ الفعلى. لذلك سارعت مصر منذ الساعات الأولى لترحيب حماس بالخطة بدعوة وفدى حماس وإسرائيل وبمشاركة الولايات المتحدة لمفاوضات غير مباشرة بدأت أمس بشرم الشيخ. الغرض من مفاوضات شرم الشيخ هو وضع «اللوائح التنفيذية» لخطة ترامب، والاتفاق على كل من شأنه ضمان الالتزام بالخطة ووصولها إلى نقطة النهاية، وقبل ذلك تسهيل مهمة الطرفين فى تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه باعتباره أهم ضمانات نجاح الخطة.

إذن هى محاولة/فرصة فى ظل ظروف صعبة ومعقدة للغاية لإنهاء الحرب بما يحقق ويلبى آمال وطموحات الفلسطينيين. ولأنها كذلك، عاد المتطرفون وما بات يعرف بـ«محور الشر» بممارسة هوايتهم فى قطع الطريق على قطار السلام وإزاحته من طريق قطار العدوان، وذلك من خلال الهجوم على مصر والمزايدة عليها لأنها رحبت بخطة وافقت عليها حركة وحماس وكل دول العالم بما فى ذلك الدول العربية والإسلامية. إذ انطلقت بعض الأقلام «اللقيطة التى تمتهن الخيانة» تهاجم الموقف المصرى أملا فى إثنائه عن مواصلة دوره لإنقاذ الفلسطينيين وقضيتهم ليس فقط من إسرائيل، بل انتزاع القضية برمتها من أوهام «محور الشر»، فى وقت لم تنجح إسرائيل ومعها الولايات المتحدة بكل الضغوط التى مارسوها خلال عامين على تغيير الموقف المصرى قيد أنملة، كما فشلوا فى دفع مصر لاتخاذ مواقف غير محسوبة وغير مضبوطة على المصلحة المصرية العليا ومصلحة الشعب الفلسطينى. كان فشل هؤلاء جميعا حاضرا وسيظل عنوانا لكل محاولاتهم ضد مصر. الصلابة المصرية مستمدة من عبقرية فريدة تحتفظ بها مصر ليس فقط فى صياغة رؤيتها وتقرير ما تريد ولكن الأهم فى الوصول إليه ووضعه موضع التنفيذ دون ضجيج انتصارا لضميرها ودورها الوطنى والعربى والإنسانى.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية