كما يقدم الذكاء الاصطناعى الكثير من المزايا والفرص لمجالات كثيرة، فإنه يطرح بالقدر نفسه وربما أكثر الكثير من المخاوف لدى العاملين فى تلك المجالات والمهتمين بها وبمستقبل العنصر البشرى وقدرته على كسب الصراع مع الذكاء الاصطناعي. المجال الإعلامى والصحفى أحد أهم المجالات التى تشتبك مع الذكاء الاصطناعي. المؤكد أن الذكاء الاصطناعى إن بقى بشكل عام أداة مساعدة يتحكم فيها منتج المحتوى؛ إعلاميا أو صحفيا، فسيفتح آفاقا غير محدودة وغير مسبوقة للعمل الصحفى والإعلامي. وبما أن ذلك صعب، فإن المخاوف من إمكان إزاحة الذكاء الاصطناعى للعنصر البشرى من الإعلام والصحافة تظل قائمة وستتزايد خاصة مع التقدم المضطرد الذى يشهده هذا المجال بما يهدد بفقدان الأدوار التقليدية فى صناعة الإعلام، وكذلك فى ظل تزايد اعتماد الإعلاميين أنفسهم على الذكاء الاصطناعى فى انجاز مهامهم الإعلامية، وكأنهم يفسحون المجال تماما للذكاء الاصطناعى ليأخذ مكانهم.

الاعتماد والثقة المتزايدة من قبل الإعلاميين والصحفيين فيما يقدمه ويتيحه الذكاء الاصطناعى، إضافة إلى الثقة المتزايدة من الجماهير فيه وبشكل متزايد فى كل المجالات، يعبد طريق تقدم الذكاء الاصطناعى ويدعم سيطرته الكاملة على العديد من المجالات وفى القلب منها الإعلام والصحافة. وقد أوضح التقرير السنوى الذى صدر نهاية العام 2024 عن «رابطة الصحافة الأوروبية»، بشأن الذكاء الاصطناعى، وما يحمله من تداعيات راهنة ومستقبلية على مهنة الصحافة، إن التطبيقات الموجودة حاليا لهذه التكنولوجيا بدأت تحدث تطورات وتحولات عميقة من شأنها أن تغير المشهد الإعلامى بشكل جذرى فى غضون سنوات قليلة. التقرير تضمن استطلاعا واسعا بين المحررين والمنتجين والمشرفين على النسخ الرقمية لعدد من وسائط الإعلام الأوروبية حول استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى العمل الصحفى، وأوضح أن 84% من الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أن المحررين سيستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعى الرقمية بنسبة عالية فى المستقبل.

وهنا يصبح السؤال مشروعا؛ هل يحل الذكاء الاصطناعى محل الصحفى/ الإعلامى، ليصبح الإعلام «إعلاما اصطناعيا»؟ هذا ما حاولت مع مجموعة من الخبراء المتميزين مناقشته فى كتاب بعنوان «الإعلام الاصطناعي» صدر حديثا عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بدولة الإمارات.